ذكر العلماء: أن الشرك نوعان: شرك أصغر، وشرك أكبر، وأن هذه الآية يراد بها الشرك الأكبر؛ فإنه الذي لا يغفره الله. بل أن أصحابه مخلدون في النار، إذا مات المشرك الذي شركه أكبر فإنه يكون مخلدا في النار، ودليل ذلك قول الله تعالى حكاية عن عيسى وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
هكذا أخبر الله أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، فالمراد: الشرك الأكبر الذي هو تنقص للخالق ورفع للمخلوق، وصرف حق الله تعالى لغيره، فكان بهذه العقوبة أن أصحابه إذا ماتوا عليه لا يخرجون من النار، ويكون هذا هو معنى قوله تعالى:
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
هؤلاء الذين أخزاهم الله هم المشركون.
وكذلك يقول الله تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا
ويقول الله تعالى:
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا
هؤلاء هم الكفار والمشركون الذين شركهم أكبر، فلا يخرجون من النار - والعياذ بالله - بل يكونون مخلدين فيها، خالدين مخلدين فيها أبدا.
وتكون الآيات التي وردت في التخليد يراد بها المشركون الذين ماتوا على هذا الشرك، كما في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
الكافرون هم المشركون، وهم الظالمون، قال الله تعالى:
وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
ولا شك أن أظلم الظلم هو الشرك؛ ولذلك قال الله تعالى عن عبده الذي هو لقمان أنه قال لولده:
يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
.
ولما نزل قول الله تعالى
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
قال الصحابة: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما ذلكم الشرك، لم يلبسوا إيمانهم بشرك، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح:
يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
أي: أن الشرك هو أظلم الظلم؛ وذلك لأنه وضع للعبادة في غير موضعها، وإذا عرف عظم هذا الذنب فإن أصحابه هم الذين يخلدون في النار، فيكون المسلم حذرا من هذا الشرك أن يقع فيه.
ومنه عبادة المخلوق، وصرف شيء من حق الله تعالى له، فهذا هو الذي لا يغفر، يقول فيه ابن القيم في النونية:
والشـرك فاحــذره فشـرك ظاهــر | ذا القسـم ليـس بقابــل الغفران |
وهـو اتخـاذ النــد للرحمـن أَيْـ | ـا كـان مـن حجـر ومـن إنســان |
يدعـوه أو يرجــوه ثــم يخافـه | ويحبــه كـمحبـــة الـديــان |