موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
تقديس مشركي العرب للأوثان وموقف الإسلام منها
تقديس مشركي العرب للأوثان وموقف الإسلام منها
عدد المشاهدات
()
وهذا فيه تشبه بالمشركين الأولين الذين يعبدون مثل هذه البقاع وما أشبهها، فإن أهل الطائف اسم> كان عندهم صخرة كبيرة يسمونها اللات، ويصفونها بالطاغية، وقد ذكروا أن أحد الصالحين كان قُبر تحتها؛ وذلك الرجل الصالح كان يضيف الحجاج، يلت لهم السويق - يعني - يخلطه كضيافة وطعام من مر به من حاج أو معتمر أكرمه بذلك، ثم لما مات دفن تحت تلك الصخرة، فاعتقدوا البركة في الصخرة وحدها، وصاروا يتبركون بها، ويطوفون بها، ويتمسحون بها، ويحلفون بها، وبقيت معظمة عندهم إلى أن ظهر الإسلام، وهم متمسكون بها.
ظهر الإسلام وانتشر، ولما رأوا أن العرب حولهم من كل الجهات قد أسلموا ولم يبق إلا أهل هذه البلدة عرفوا أنه لا طاقة لهم بمخالفتها العرب كلهم، فجاءوا وافدين إلى - النبي صلى الله عليه وسلم - مظهرين الإسلام ولكن رسم> قالوا: نشترط أن تمتعنا بهذه الصخرة رسم> - التي سموها الطاغية - رسم> أن تبقيها لنا سنة نتزود منها. فقال صلى الله عليه وسلم: لا نتركها ولو ساعة فحاولوا أن يتركها شهرا، فأبى، فلم يجدوا بدا من الموافقة، فأرسل إليها من حطمها كالمغيرة بن شعبة اسم> رسم> وكان من أهل الطائف اسم> أولا فحطموها وكسروها، فهي من جملة الحجارة التي كانت تعظم في الجاهلية.
كذلك العزى شجرات في وادي نخلة اسم> بين مكة اسم> و الطائف اسم> كان المشركون أيضا يلوذون بتلك الشجرة أو الشجرات، ويذبحون عندها، وينذرون لها، ويطوفون بها، ويحلفون بها، ويعتقدون أنها تشفيهم، وأنها تنفعهم، ويفتخرون بانتمائهم إليها - بالأخص أهل مكة اسم> -؛ حتى افتخر بها أبو سفيان اسم> في غزوة أحد لما انفصلت الحرب في غزوة أحد، وبرز له بعض المسلمين، رسم>
قال: لنا العزى، ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم متن_ح> رسم> افتخر بهذه الشجرة، ولما فتحت مكة اسم> لم يبقها النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل إليها من قطعها، أرسل خالد بن الوليد اسم> وغيره فقطعوها وجعلوا يقولون:
يـا عـزى لا عـزى لك | إنـي رأيت الله قـد أهانك |
يا عزى كفرانك لا شكرانك | إنـي رأيت الله قـد أهانك |
قد يقول قائل: إنهم أهل عقول، وأهل معرفة، فكيف راج عليهم تعظيم هذه البقاع؟ وكيف لم يتفطنوا أنها مخلوقة؟ وأنه لا فرق بينها وبين غيرها؟
والجواب: أن الشيطان سول لهم، وأملى لهم، وزين لهم أنها تفيدهم. ولا شك أن هذا من فتنة الشيطان؛ حتى يوقعهم في الكفر والشرك، ولا بد أن من يساعده من الجن يظهرون لهم بمظاهر ترغبهم في تلك الأماكن، فلا بد أنه يكلمهم من جوف تلك الصخرة أو مما قرب منها، ويدلهم ويقول: افعلوا كذا فإنكم تنتصرون، أو افعلوا كذا وكذا؛ فإنكم تصيبون رزقا أو ما أشبه ذلك.
فلا بد أن الشيطان يتكلم فيها، فيسمعون كلامه، ويعتقدون أنها هي التي تتكلم؛ ولأجل ذلك لما قطع الصحابة هذه الشجرات في وادي نخلة اسم> قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> هل رأيت شيئا؟ قال: لا. قال: ارجع فإنك لم تفعل شيئا. فرجع، فوجد شيطانة من الجن - من متشيطنة الجن - ناشرة شعرها، فعلاها بالسيف فقتلها. فقال -صلى الله عليه وسلم- تلك العزى رسم> يعني - أنها هي التي تتمثل لهم؛ حتى يعبدوها؛ وحتى يعظموها؛ وحتى يتبركوا بذلك المكان، ويجعلوه نافعا وشافيا، فيصدوا عن عبادة الله أو يعبدوا مع الله غيره، فتبطل وتحبط أعمالهم ويصيرون مشركين، فهذا هو السبب. فلا بد أن يكون هذا هو دأبهم في كل ما يعبدونه من الأشجار والأحجار والقبور وما أشبهها.
كذلك ذكر الله معبد مناة. مناة: بناية بالمشلل اسم> عند قديد اسم> بين مكة اسم> والمدينة اسم> كان أهل المدينة اسم> يحرمون منها، وكانوا يعظمونها، وكذلك من حولها من العرب، كانت تعبد، وكانت تقدس، أرسل إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا اسم> فهدمها ومحا آثارها.
وهكذا -أيضًا- صنم في قبيلة دوس يقال له: ذو الخلصة، معبد يعبدونه، ولما أسلم من حوله أرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي اسم> فأحرقه وهدمه بعد أن قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فقال: بلى. اشتكى إليه أنه لا يثبت على الخيل، فدعا له وقال: اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا فذهب وأحرقه رسم> - أحرق ذلك المبنى ونحوه -.
وكذلك كان بمكة اسم> - أيضاً - صنم يعظمه أهل مكة اسم> ويقال له: هبل. لما انفصلت غزوة أحد، رسم>
وظهر أبو سفيان اسم> أخذ يقول: أُعْلُ هبل أُعْلُ هبل متن_ح> رسم> يعني ارتفع يا هبل. رسم>
فقال صلى الله عليه وسلم : قولوا: الله أعلى وأجل متن_ح> رسم> وكان أيضًا في البيت الحرام اسم> في المسجد الحرام اسم> وما حوله أصنام كثيرة - يعني - صور منحوتة من حجارة أو من خشب، مصفوفة في زوايا المسجد؛ حتى قالوا: إنها ثلاث مائة وستين صنما، رسم>
ولما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحرم اسم> جعل يطعنها بعصاه، ويقول: رسم> جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا قرآن> رسم> رسم>
جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ قرآن> رسم> متن_ح>
رسم> فانتكست وكسرت وحطمت، ومنها صنمان على الصفا اسم> والمروة اسم> يقال لهما: إساف، ونائلة. ذكر ابن إسحاق اسم> وغيره أنهما كانا شخصين، رجل وامرأة، وأنهما زنيا في داخل الكعبة اسم> فمسخهما الله حجرين أو جمادين، فنصبتهما قريش على الصفا اسم> والمروة اسم> ليعتبر بهما، فلما طال الزمان عُبدا من دون الله، فحطما مع من حطم، وكسرت أمثالهما.
وكذلك للعرب أصنام كثيرة على هذه الأشكال من حجارة أو من أشجار أو ما أشبهها، ذكر أيضا ابن إسحاق اسم> أن عباس بن مرداس اسم> كان لأبيه صنم يقال له: غمار، وكان يعظمه أبوه، فلما حضره الموت قال لابنه عباس اسم> يا بني اعبد غمار؛ فإنه ينفع ويضر. فاستمر على دعائه والتبرك به إلى أن ظهر الإسلام، فهذا ونحوه من أصنام الجاهلية.
كذلك ذكر الشيخ في كتاب التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب اسم> حديث ذات أنواط، وذكر أنها شجرة في طريقهم بين مكة اسم> وحنين اسم> كان المشركون يعلقون فيها أسلحتهم، جعلوا فيها عرى، في كل غصن عروة يعلق فيها السيف أو الرمح أو القوس، ويدعون أنه إذا علق فيها يناله بركة، ويحصل له نكاية في العدو، لما أن بعض الصحابة الذين أسلموا حديثا مروا بشجرة تشبهها رسم>
قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط متن_ح> رسم> - يعني المشركين - فعظم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكلمة رسم>
وقال: الله أكبر متن_ح> رسم> -تنزيها لله تعالى من الشرك- وقال: رسم>
قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اسم> رسم> اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قرآن> رسم> متن_ح>
رسم> هذه الشجرة يمكن أنها كانت باقية؛ ولكن لم يمروا بها، أو أنه لما ظهر الإسلام؛ قطعت كما قطع بقية المعابد التي يعبدونها، كما بطل أثرها، وقد يكون الذي قطعها هو صاحبها، أو محاها، كما ذكروا أن العباس بن مرداس اسم> هو الذي حطم ذلك الصنم الذي يقال له: غمار؛ وذلك أنه سمع هاتفا يهتف من حوله يقول:
كـل القبـائل مـن سـليم كلهـا | أودى غمار وعاش أهل المسـجد |
أودى غمـارٌ وكـان يعبـد مـدة | قبـل الكتاب إلى النبـي محمــد اسم> |
فعند ذلك كسره وأسلم، فيمكن أن تكون هذه الشجرة أيضا لما أسلم أهلها قطعوها، وكان -صلى الله عليه وسلم- كلما أسلمت قبيلة أخذ عليهم العهد أن يحطموا ما عندهم من الأصنام، وأن يفردوا ربنا -سبحانه وتعالى- بالعبادة. هذه حال المشركين الأولين.
مسألة>
-59-