ويجوز نسخ الرسم، وبقاء الحكم: نسخ الآية وبقاء حكمها، ومثلوا بآية نزلت في الرجم، ذكر عمر رضي الله عنه أنها نزلت، ولكن نسخ لفظها، وقال: لولا أن يقول الناس: إن عمر زاد في القرآن لكتبت آية الرجم، فهي مما نسخ لفظه وبقي حكمه. يعني: الرجم باق ويرجم الزاني إذا كان محصنا.
يجوز نسخ الحكم وبقاء الرسم مثل: آيات نزلت في القتال، آيات كثيرة نزلت في ترك القتال للمشركين، مثل قوله تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ
وقوله:
مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ
وما أشبه ذلك. هذه نسخت بآيات القتال مع بقائها، وإن كان بعض العلماء قالوا: إنه يجوز العمل بها عند المناسبات. وكذلك مثل: آية إمساك الزانية في البيوت في قوله تعالى:
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
نسخ ذلك بقوله:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
إلى آخره. وكذلك قوله في المتوفى عنها:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ
كانوا أمروا أولا: أن المتوفى عنها تبقى حولا في بيتها، وينفق عليها من مال زوجها نسخ ذلك بقوله:
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
نسخ حكمه وبقي رسمه.
يجوز النسخ إلى بدل لقوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ
ويجوز نسخ الآية ولا يأتي بدلها. يعني: استغني عن حكمها، قد ذكروا: أن سورة الأحزاب كانت طويلة، ونسخ كثير منها، ولم يذكر: أنه نزل بدلها شيء.
ويجوز النسخ إلى ما هو أغلظ، وإلى ما هو أخف. فالنسخ إلى ما هو أغلظ مثل قوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
بقوله:
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
؛ فإن هذا أغلظ من الإمساك في البيوت، وكذلك قوله:
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا
فالإيذاء أخف من الرجم ومن الجلد، ونحوه، يجوز النسخ إلى ما هو أخف. يعني: مثل التربص أربعة أشهر وعشرا أخف من الحول.
يجوز نسخ الكتاب بالكتاب. يعني: آية بآية مثل قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا
نسخت قوله:
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
هذا نسخ كتاب من كتاب.
يجوز نسخ السنة بالكتاب: إذا جاء حديث ثم جاءت آية فنسخته، كثير من الأحاديث قالها -صلى الله عليه وسلم- باجتهاد، ثم نزل القرآن ونسخ حكمها.
ويجوز نسخ السنة بالسنة. روى مسلم في صحيحه، في كتاب الطهارة أثرا عن بعض الصحابة، أو التابعين قال: كانت السنة ينسخ بعضها بعضا، كما أن القرآن ينسخ بعضه بعضا؛ وذلك لأنه روى أحاديث في الطهارة بين شيء منها تعارض. مثل حديث: إنما الماء من الماء
يعني: إذا جامع الرجل فأكسل ولم ينزل فإنه لا غسل عليه على موجب هذا الحديث:
إنما الماء من الماء
ثم إن هذا الحديث منسوخ، منسوخ بقوله:
إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل
وبحديث:
إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل
في رواية:
وإن لم ينزل
فقال: إن الأحاديث ينسخ بعضها بعضا كالقرآن ينسخ بعضه بعضا.
وقد اختلف في نسخ القرآن بالسنة، أجازه بعضهم ومثل بقوله -صلى الله عليه وسلم- لا وصية لوارث
وأنه ناسخ لقوله من سورة البقرة:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
وذلك قبل نزول آيات الفرائض حظر إذا احتضر أن يفرق ماله، فيقول: أعطوا والدي كذا، وأعطوا والدتي كذا، وأعطوا ابني كذا، وأعطوا ابنتي كذا، يكون هذا وصية. فنسخ ذلك بآيات المواريث، وقيل: إنه نسخ بالحديث:
لا وصية لوارث
ويرى أن الحديث إنما أشار إلى الآيات. يعني: أن الآيات هي التي رفعت حكم الوصية.
يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر. المتواتر: وهو الذي يرويه عدد كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه، ويكون مستندهم: الحس. والأحاديث المتواترة قليلة التي ينطبق عليها هذا الشرط.
ويجوز نسخ الآحاد بالآحاد والمتواتر. يعني: أن المتواتر ينسخ الآحاد، والآحاد ما عدا المتواتر. يعني: الحديث الذي ينقص عن رتبة المتواتر.
ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد؛ وذلك لأن الآحاد أضعف وقعا عند العلماء، وأقل درجة.