المكتبة النصية
فقه وأحكام
شفاء العليل شرح منار السبيل
مقدمة للشيخ: عبد الله بن جبرين حفظه الله
المبحث الخامس: في الاجتهاد والتقليد
اشتهرت مذاهب الأئمة الأربعة، واتفق اتّباع الجماهير لكل إمام، ولم يظهر إنكار من بعضهم على بعض، واتفقوا على أن كل إمام من الأربعة ونحوهم اجتهد في فتواه وتحرّى الصواب، لكنه غير معصوم، بل هو عرضة للخطأ، فاتباعه إنما يسوغ في اجتهاده الموافق للصواب، فمتى اتضح أنه أفتى في مسألة بما يخالف الأدلة الصريحة لم يجز تقليده، فإن الحق قديم، وإنما اختلفوا هل على العامي أن يلتزم مذهبا معينا، يأخذ برخصه وعزائمه.
والجمهور لا يوجبون ذلك، والذين يوجبونه يقولون: إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزما له، أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه، ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني، مثل أن يلتزم مذهبا لحصوله غرض دنيوي من مال أو جاه أو نحو ذلك، فهذا مما لا يحمد عليه، بل يذم عليه في نفس الأمر، كمن هاجر لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها.. وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني، مثل أن يتبين له رجحان قول على قول، فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه.. لكن لما كان من الأحكام ما لا يعرفه كثير من الناس، رجع الناس في ذلك إلى من يعلمهم ذلك... فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم وسائل وطرق وأدلة بين الناس وبين الرسول يبلغونهم ما قاله ويفهمونهم مراده، بحسب اجتهادهم واستطاعتهم، وقد يخص الله هذا العالم من العلم والفهم بما ليس عند الآخر، وقد يكون عند ذلك في مسألة أخرى من العلم ما ليس عند هذا. اهـ.
عن قول ابن حمدان اسم> في آخر الرعاية: إن من التزم مذهبا أُنكر عليه مخالفته بغير دليل، أو تقليد، أو عذر آخر، فأجاب: هذا يُراد به شيئان:
عن قول بعضهم: ينبغي لكل مؤمن أن يتبع مذهبًا، ومن لا مذهب له فهو شيطان إلخ. فأجاب: إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا تجب طاعة أولي الأمر إلا تبعا لطاعة الله ورسوله لا استقلالا، قال تعالى: رسم>
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قرآن>
رسم> وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله، من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقوله، ولا يجب على أحد التزام مذهب شخص معين، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله، فيفعل المأمور ويترك المحظور، والله أعلم. اهـ.
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ قرآن>
رسم> وقال -صلى الله عليه وسلم- رسم>
ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال متن_ح>
رسم>
وليس هذا تقليدا؛ فإن التقليد المذموم رأس> هو التقيد بقول شخص بعينه ، لا يخرج عنه في التحليل والتحريم بغير دليل، أما هذا فهو اقتداء بمن يحتج بالأدلة الشرعية ممن يعمه قول الله تعالى: رسم>
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا قرآن>
رسم> وقوله عن الخليل -عليه السلام- رسم>
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ قرآن>
رسم> والله أعلم.