موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
مسألة: قول الإمام الأدرمي رضي الله عنه في هذا الباب
مسألة: قول الإمام الأدرمي رضي الله عنه في هذا الباب
عدد المشاهدات
()
قوله:
وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي اسم>
لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> وعلي اسم> أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته أنت؟ قال الرجل: فإني أقول: قد علموها. قال: أفوسعهم أن لا يتكلموا به، ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم.
قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت؟ فانقطع الرجل. فقال الخليفة - وكان حاضرًا - لا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم،
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه.
شرح: هذه القصة مشهورة في كتب السنة: توجد فيها بطرق كثيرة، وبألفاظ كثيرة كما في كتاب الشريعة ( للآجري اسم> ) وغيره، وفي ترجمة الإمام أحمد اسم> ( لابن الجوزي اسم> )، وفي غيره من كتب أهل السنة. هذا الإمام سماه بعضهم محمد بن عبد الرحمن اسم> وبعضهم سماه عبد الله بن محمد اسم> عالم من علماء الأمة.
ذكروا أنه لما أحضر إلى الخليفة، والخليفة في زمنهم هو الواثق اسم> قال له: ناظر أبا عبد الله اسم> يريد المبتدع الخبيث الذي يقال له: أحمد بن أبي دؤاد اسم> وكان هو الذي زين للخلفاء أن يفتنوا العلماء، وأن يلزموهم بهذه البدعة التي هي القول بخلق القرآن، فقال هذا العالم - رحمه الله: إنه ليس أهلا أن يناظرني ولا أن أناظره؛ فغضب الخليفة، وقال: أبو عبد الله اسم> ليس كفؤا وليس أهلاً؟ فطمأنه، وقال: مهلا سوف يظهر الحق ويتبين عند المناظرة، أناظره تمشيًا على رغبتك. وقد رويت القصة بألفاظ مطولة، كما في كتاب الشريعة.
وذكروا أنه جيء به موثقًا إلا أنه أصرَّ أن يعلن أن القرآن كلام الله غير مخلوق فلما أحضر عند الخليفة وبدأ في المناظرة، أتى بما ملخصه أن قال له: هذه البدعة، أو هذه المقالة التي تقول بها أنت، هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> وعلي اسم> ؛ خلفاء الأمة، الخلفاء الراشدون، خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، الذين زكاهم وشهد لهم بالهداية؛ هل علموها أو لم يعلموها؟
فقال أولاً: ما علموها. فتعجب وقال: كيف تعلمها أنت؟ ولم يعلمها الصحابة والخلفاء الراشدون؟، ولم يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمتها أنت؟ هل نزل عليك وحي؟ هل أنت رسول من الله تعالى؟ ما الدليل على رسالتك؟ ما هو الوحي الذي نزل عليك حتى تكون أنت أعلم من الرسول، وأعلم من الخلفاء؟ فتحيّر ابن أبي دؤاد اسم> ولم يجد بدًّا من أن يقول: بل علموها.
فانتقل محمد بن عبد الرحمن اسم> - رحمه الله - إلى أن يقول له: ما دام أنهم علموها، فهل دعوا إليها، وفتنوا الناس وألزموهم بما ألزمتهم به، وعذبوا من أنكرها وحبسوهم، وأنكروا على من خالفهم، أو لم يدعوا إليها؟
من المعلوم أنهم ما دعوا إليها، بل ولم يشتهر أنهم قالوا: إن القرآن مخلوق، ولم يقل ذلك أحد من الأمة، فقال: لم يدعوا إليها. لا بد أن يعترف لأن التواريخ في القصص المشهورة؛ أنهم ما دعوا إليها، ولا فتنوا أحدًا، ولا ألزموه أن يقول هذه المقالة الشنيعة التي هي الإلزام بأن القرآن مخلوق، فلما لم يجد بدًّا التزم واعترف بأنهم ما دعوا إليها.
فعند ذلك قال له: فهلا وسعك ما وسعهم ما دام أنهم علموها وسكتوا، وتركوا الناس على معتقداتهم ولم يفتنوا أحدًا، ولم يلزموا أحدًا، ولم يعذبوا أحدًا، ولم يقولوا لهم هذه المقالة باطلة، أو هذه المقالة حق أو نحو ذلك. فاسكت كما سكتوا، ويسعك ما وسعهم، فإن كنت على صواب فصوابك لنفسك، ولا تغير عقائد غيرك، وإن كنت على خطأ فخطؤك على نفسك، أما غيرك فلا تغير عليهم ما دام الرسول وصحابته لم يغيروا عليهم ولم يفتنوهم، فانقطعت حجته عند ذلك.
والخليفة الذي كان قد سبب الفتنة، والذي كان أول من اتصل به ابن أبي دؤاد اسم> وبشر المريسي اسم> من الخلفاء - هو الخليفة المأمون اسم> وهو ابن هارون الرشيد اسم> هذا الخليفة هو الذي أظهر قوله بخلق القرآن، ودعا إليه، وفتن كثيرًا من الأئمة، وجيء بالإمام أحمد اسم> إليه، فدعا الله أن لا يريه وجهه، فاستجاب الله دعوته، فمات المأمون اسم> قبل أن يصل إليه الإمام أحمد اسم>
ولكن تولى الخلافة بعد المأمون اسم> أخوه المعتصم اسم> وكلاهما من أولاد الرشيد اسم> رحمه الله، وهو رشيد كاسمه؛ كان يغزو سنة ويحج سنة، وكان ينصر السنة كأبيه وجده، ولكن ولداه المأمون اسم> والمعتصم اسم> اتصل بهما هؤلاء المبتدعة، وزينوا لهما البدعة التي هي إنكار الصفات وإنكار كلام الله تعالى، وإنكار أن يكون القرآن كلامه، والقول بأنه مخلوق، حتى جيء بالإمام أحمد اسم> وبقي سجينًا عند المعتصم اسم> وجلد في زمنه عدة مرات، وأطيل تعذيبه، وعذّب عذابًا شديدًا، ولكنه تحمل ذلك وصبر.
ثم بعد ثماني سنين مات المعتصم اسم> وتولى بعده ولده الواثق اسم> الذي جرت عنده قصة الأذرمي اسم> والواثق اسم> ولد المعتصم اسم> والصحيح أنه رجع عن هذه المقالة بسبب هذه الحجة التي احتج بها الأذرمي اسم> رحمه الله.
وتولى بعده ولده المتوكل بن الواثق اسم> وهو الذي نصر السنة، وأكرم الإمام أحمد اسم> وأعزه ومكَّنه من أن يظهر السنة، واستدل على أن أباه الواثق اسم> قد رجع عن هذه المقالة بقصة الأذرمي اسم> معه؛ حيث إنه قال: لا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> وعليًّا اسم> ما دام أنه وسعهم السكوت، فكيف لا يسعنا؟ الأولى بنا أن نسكت كما سكتوا، وأن نكِل الناس إلى ما يعتقدونه من الأدلة.
ومع أن الإمام أحمد اسم> - رحمه الله - قد بالغ في ذكر الأدلة التي استدل بها عندهم، وذكر لهم أحاديث وآيات إلا أنهم لم يقتنعوا واستمروا على مقالتهم الباطلة إلى أن ظهر الحق وأعز الله أهله والحمد لله.
مسألة>
-31-