موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
خاتمة وجوب التمسك بالحديث الصحيح وإن خالف المذاهب والآراء
خاتمة وجوب التمسك بالحديث الصحيح وإن خالف المذاهب والآراء
عدد المشاهدات
()
وبعد أن عرفت وجوب العمل بالحديث الصحيح رأس> أيا كان نوعه، وبطلان ما يورد أهل البدع على دلالته، فما عليك إلا أن تقول بموجبه ولو خالفه أكثر الناس، فإن عمل الأكثر ليس بحجة، ولقد كان الأئمة الأربعة رحمهم الله ينكرون على من خالف الحديث بعد صحته. وقد نقل عن كل منهم قوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ونقل المزني اسم> عن الشافعي اسم> أنه قال: إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى أحد. وقال الربيع اسم> عنه: ليس لأحد قول مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وسمعته روى حديثا . فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله اسم> ؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.
وقد اشتهر عنه رحمه الله أنه قال للإمام أحمد اسم> إذا صح عندكم حديث فأعلمونا به لنأخذ به، ونترك كل قول قلناه أو قاله غيرنا، فإنكم أحفظ للحديث، ونحن أعلم به، ونقل أبو يوسف اسم> أن أبا حنيفة اسم> قال: ليس لأحد أن يفتي بقولنا، ما لم يعرف من أين قلنا.
وكذلك الإمام مالك اسم> صح عنه أنه قال: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصح عن الإمام أحمد اسم> أنه قال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان اسم> والله تعالى يقول: رسم>
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قرآن> رسم> .
أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. اهـ.
والنقول عن الأئمة كثيرة في النهي عن تقليدهم، وأمر غيرهم بالرجوع إلى الأدلة التي يأخذون منها
. وبهذا يعرف تقديس هؤلاء الأئمة للحديث المتواتر والآحاد. ولما أن روي عنهم بعض المسائل التي لا تجتمع ظاهرا مع ما صح من الأحاديث، وكان قد قلدهم بعض من أتى بعدهم، واعتمد أقوالهم نصوصا ترد لها الأحاديث الواردة عليهم، فهنالك وضعوا قواعد وأصولا زعموا أن أئمتهم لا يقبلون ما خالفها من أخبار الآحاد، ككون الحديث فيما تعم به البلوى، أو خلاف القياس ، أو لم يعمل به راويه ونحو ذلك. وإذا كان قد روي عن الأئمة شيء من تلك القواعد فلعلهم أرادوا بها معنى صحيحا لا على الإطلاق، وعلى هذا فإن من واجب المسلم تقديم الحديث الصحيح وإن خالف مذهب إمامه ، واعتقاد أن كل عالم أو قدوة في الدين لن يجرؤ على مخالفة الحديث الصحيح إلا لمعارض راجح في نظره، ولقد بين العلماء المحققون أعذار أولئك الأئمة في تركهم العمل ببعض الأحاديث الصحيحة، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> في رسالة (رفع الملام) عشرة أسباب يكون وجود أحدها عذرا لمن قام به في مخالفة الحديث.
فمنها : أن لا يكون الحديث قد بلغه، فإنه لا يمكن لأحد الإحاطة بالحديث النبوي جميعه، وقد تقدم أمثلة لما خفي على بعض كبار الصحابة .
ومنها : أن يكون الحديث قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو اعتقد ضعفه خطأ. أو نسيه. أو لم يتفطن لدلالته عند الفتيا. أو اعتقد أن لا دلالة فيه. أو اعتقد أنه معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما خالفه فيه غيره.
وإذا كان الإمام معذورا عن اجتهاده الذي أخطأ فيه، لم يعذر من تبين له الدليل فأصر على مخالفته، وأخذ يقدر تقديرات متكلفة في رده، فإن عجز قال: لو كان صحيحا لما خالفه إمامنا الذي قد اتفق على أهليته، ونحو ذلك من الأعذار .
وكل هذا محافظة على ما روي عن هؤلاء الأئمة الذين تفانوا في تقليدهم، مع أن تلك الروايات المنقولة عن الأئمة مما فيه مخالفة لبعض الأحاديث الصحيحة مشكوك في صحتها عنهم، لكونها نقلت آحادا ، وبغير أسانيد متصلة غالبا . ثم بتقدير صحتها عنهم، فقد يتطرق إليها التغيير من النقلة مما تنقلب به حقيقتها، وقد يحتف بالفتيا من القرائن ومقتضيات الأحوال ما يحمل المفتي على التساهل مما يخفى على من بعده، ثم بتقدير عدم ذلك كله فهم غير معصومين عن الخطأ، وقد نهوا من بعدهم عن تقليدهم .
وبهذا يتضح إجماع الأئمة المعتبرين على وجوب اتباع الأحاديث ولو كانت آحادا بعد ثبوتها، وأنه مما يجب تقديمها على قول كل أحد أيا كانت منزلته، وإلى هنا نقف، والله أعلم وصلى الله على محمد اسم> وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
مسألة>
-57-