موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
الفصل الثالث في فضل خدمة المساجد وعمارتها بالطاعة
الفصل الثالث في فضل خدمة المساجد وعمارتها بالطاعة
عدد المشاهدات
()
قال الله تعالى: رسم> مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قرآن> رسم> الآية، حيث وصف من يعمر المساجد رأس> بالإيمان بالله واليوم الآخر، والصلاة، والزكاة، وخشية الله وحده، والاهتداء الكامل، أي أن المؤمنين بالله حقا هم الذين يحملهم إيمانهم على عمارة المساجد.
وأكثر أهل العلم على أن المراد عمارتها بالصلاة والذكر والقراءة والعلم، وأنواع العبادة، فهي العمارة الحقيقية، ولهذا أورد الإمام أحمد اسم> بإسناده عن أبي سعيد الخدري اسم> عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم>
إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان متن_ح> رسم> لأن الله يقول: رسم>
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قرآن> رسم> [ورواه الترمذي اسم> وقال: حسن غريب، ورواه الحاكم اسم> وقال: هذه ترجمة للمصريين لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها. لكن قال الذهبي اسم> إن دراجا اسم> كثير المناكير، أي: دراج أبو السمح اسم> أحد رجال الإسناد، وقد أورده النووي اسم> في رياض الصالحين مع التزامه بذكر الأحاديث الصحيحة والحسنة]
.
ثم إن معناه تشهد له الآية الكريمة، حيث زكى ربنا سبحانه من يعمر المساجد، ووصفهم بالإيمان بالله واليوم الآخر.. إلخ، وذكر ابن كثير اسم> عند هذه الآية عن عبد بن حميد اسم> بإسناده عن أنس اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
إنما يعمر مساجد الله أهل الله متن_ح> رسم> [وكذا رواه البزار اسم> كما في الكشف، في باب في عمار المساجد عن صالح المري اسم> عن ثابت اسم> عن أنس اسم> قال: لا نعلم رواه عن ثابت اسم> عن أنس اسم> إلا صالح اسم> قال الهيثمي اسم> في مجمع الزوائد: وفيه صالح المري اسم> وهو ضعيف]
.
قلت: ولعله مستنبط من الآية الكريمة.
وقال الزمخشري اسم> في الآية: أي: إنما تستقيم عمارة هؤلاء، وتكون معتدا بها، والعمارة تتناول رم ما استرم منها، وقمها، وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر، ومن الذكر: درس العلم، بل هو أجله وأعظمه، وصيانتها مما لم تبن له المساجد، من أحاديث الدنيا، فضلا عن فضول الحديث
.
ثم أورد عدة أحاديث منها حديث بلفظ: رسم>
يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة متن_ح> رسم> [قال الحافظ اسم> أخرجه الطبراني اسم> عن أبي وائل اسم> عن ابن مسعود اسم> وفيه: بزيع أبو الخليل اسم> وهو متروك. ثم ذكر أنه رواه ابن حبان اسم> في صحيحه من طريق آخر بنحوه ]
.
ويدخل في خدمة المساجد إنارتها، فقد ذكر الزمخشري اسم> عن أنس اسم> -رضي الله عنه- قال: رسم>
من أسرج في مسجد سرجا، لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوءه متن_ح> رسم> [قال الحافظ اسم> رواه الحارث بن أسامة اسم> من رواية الحكم العبدي اسم> عن انس اسم>
وفي الطبراني اسم> عن علي اسم> رفعه: رسم>
من علق قنديلا في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك.. إلخ متن_ح> رسم> لكنه ضعيف]
.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه: رسم>
أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد، فمات فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، فقالوا: مات. قال: (أفلا كنتم آذنتموني به، دلوني على قبره، أو قال قبرها)، فأتى قبره فصلى عليه متن_ح> رسم> وسميت في بعض الروايات: أم محجن اسم>
.
والمراد: أنها تجمع القمامة وهى الكناسة، ومنها قطع الخرق، والقذى، والعيدان، قال أهل اللغة: القذى في العين والشراب ما يسقط فيه، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا، ففي هذا الحديث فضل تنظيف المسجد وإزالة ما يقع فيه من قمامة وقذى، لأنه يشوه المنظر، ويسبب النفرة من المسجد، بخلاف الموضع النظيف، فإن النفس تألفه وترغب إطالة البقاء فيه.
ومن تنظيفه تطييبه بالنضوح والدخنة، فقد روى أبو يعلى اسم> عن ابن عمر اسم> رضي الله عنه أنه كان يجمر المسجد كل جمعة. [قال الهيثمي اسم> وفيه عبد الله بن عمر العمري اسم> وثقه أحمد اسم> وغيره، واختلف في الاحتجاج به]
. ولا شك في استحباب تطييب المساجد بالعود ونضحها بالطيب، لمكانتها وشرفها، وذلك مما يرغب العامة في الجلوس فيها، ويسبب محبة النفوس لها، ويزيدها جمالا.
وقد روي عن أنس اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد.. متن_ح> رسم> إلخ [رواه أبو داود اسم> والترمذي اسم> وابن خزيمة اسم> في صحيحه، وسكت عنه أبو داود اسم> وقال المنذري اسم> في تهذيبه: وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد اسم> وثقه ابن معين اسم> وتكلم فيه غير واحد. وقال الترمذي اسم> هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذكر أن البخاري اسم> استغربه، ونقل عن البخاري اسم> والدارمي اسم> أن المطلب بن عبد الله اسم> راويه عن أنس اسم> لا يعرف له سماع من أحد الصحابة]
. ومع ذلك فمعناه صحيح، ويشهد لذلك قصة المرأة التي كانت تقم المسجد، فماتت فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرها
.
ومن خدمة المساجد فرشها بما يريح المصلين ولو بتراب نظيف، أو حصباء، فقد روى أبو داود اسم> عن أبي الوليد اسم> قال: سألت ابن عمر اسم> عن الحصا الذي كان في المسجد، فقال: رسم>
إنا مطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصا في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ما أحسن هذا متن_ح> رسم> [لكن إسناده ضعيف]
.
ولا شك أن إراحة المصلين بما يزيل عنهم حرارة الأرض، أو يقيهم من الغبار، أو يزيل عنهم شدة الحر مما يثاب عليه من قصده، ولذلك اعتيد في هذه الأزمنة جعل البسط والسجاد المريح في أغلب المساجد، بعد أن كانوا يصلون على الحصباء والأرض الصلبة والغبار، فوجدوا بذلك راحة وانبساطا ومحبة للعبادة، ورغبة فيها.
ومن خدمة المساجد إنارتها كما سبق في حديث أنس اسم> وعلي اسم> على ما فيهما من الضعف، وقد روى ابن ماجه اسم> وأبو داود اسم> عن ميمونة اسم> مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: رسم>
يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفتنا في بيت المقدس. قال: (فإن لم تأتوه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله) متن_ح> رسم> ولابن ماجه اسم> في سننه عن أبي سعيد الخدري اسم> رضي الله عنه قال: أول من أسرج في المساجد تميم الداري اسم> وهو موقوف وسنده ضعيف.
ولا شك أن إسراج المسجد الذي هو إنارته مما يسبب الرغبة فيه وينير الطريق لمن دخله، حتى يعرف الموضع الذي يقصده، وينظر مواضع الصلاة، ويتوقى خطر الصلاة لغير القبلة، أو العثور في نائم، والاصطدام بسارية أو حائط، وقد يسر الله تعالى في هذه الأزمنة وجود الكهرباء الذي يحصل بها تمام الإنارة والضياء الكامل، حتى أشرقت المساجد، واستنار الطريق، وتيسرت السبل للوصول إلى المساجد بسهولة وراحة، وأمن من الأخطار والفزع الذي يعتري من يمشي في ظلمة مدلهمة، سواء كانت في المساجد أو في طريق الوصول إليها.
ومع ذلك فقد ورد ما يدل على فضل المشي إلى المسجد في الظلمات، وكثرة الأجر المرتب على ذلك، فقد روى أبو داود اسم> والترمذي اسم> عن بريدة اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة متن_ح> رسم> [وقال الترمذي اسم> غريب. وقال المنذري اسم> في الترغيب: رجال إسناده ثقات]
.
وعن سهل بن سعد الساعدي اسم> قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
ليبشر المشاؤن في الظلم إلى المساجد بنور تام يوم القيامة متن_ح> رسم> [رواه ابن ماجه اسم> والحاكم اسم> وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي اسم> ]
.
وعن أنس اسم> -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة متن_ح> رسم> [رواه ابن ماجه اسم> والحاكم اسم> وسكت عنه الذهبي اسم> وضعفه البوصيري اسم> في الزوائد]
.
وعن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
المشاؤون إلى المساجد في الظلم أولئك الخواضون في رحمة الله متن_ح> رسم> [رواه ابن ماجه اسم> وفي إسناده: إسماعيل بن رافع اسم> متكلم فيه، ونقل الترمذي اسم> عن البخاري اسم> قال: هو ثقة مقارب الحديث]
.
وعن أبي هريرة اسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : رسم> إن الله ليضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة رسم> [قال المنذري اسم> رواه الطبراني اسم> في الأوسط بإسناد حسن]
.
وعن أبي الدرداء اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة رسم> [رواه الطبراني اسم> في الكبير بإسناد حسن، وابن حبان اسم> في صحيحه، ولفظه قال: رسم>
من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد آتاه الله نورا يوم القيامة متن_ح> رسم> ]
وعن أبي أمامة اسم> رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من النور يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون رسم> [رواه الطبراني اسم> في الكبير وفي إسناده نظر، كذا في الترغيب]
.
وقد ذكر مثل هذا الحديث صاحب مجمع الزوائد عن أبي سعيد اسم> وزيد بن حارثة اسم> وعائشة اسم> وابن عباس اسم> وابن عمر اسم> وأبي الدرداء اسم> وأبي موسى اسم>
وهو دليل على شهرة الحديث، وكثرة من نقله من الصحابة، ومن خرجه من أهل الحديث، ولعل سبب الترغيب بكثرة الثواب ما كان المسلمون فيه من شدة الظلمة في بعض الليالي، مع ضيق الطرق، والتوائها، فيصعب سلوكها والعبور معها إلى المساجد في الليالي المظلمة، مخافة الهوام واللصوص، والحفر والحجارة، والحيطان المعترضة، وقد خفت هذه الأشياء في زماننا بسعة الطرق وإنارتها، ونظافتها وأمنها والحمد لله، فلا عذر لأحد في التأخر لأجل ظلمة أو نحوها، فمتى وجدت الظلمة فصبر واحتسب ومشى لصلاة العشاء وصلاة الصبح كان أهلا أن يحظى بالنور التام يوم القيامة.
مسألة>
-4-