المكتبة النصية
تسجيلات - كتب
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
سمعنا أن أهم شيء يتطرق إليه المحتسب الذي هو الداعية مثلا والناصح والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والخطيب مثلا والمعلم ونحوهم أن أهم ما يتطرقون إليه ترسيخ العقيدة في القلوب، ترسيخ الإيمان والتوحيد وعبادة الله سبحانه؛ وذلك لأن هذا هو الذي خلقت لأجله الخليقة وأرسلت به الرسل وأنزلت به الكتب وشرعت له الشرائع، كما سمعنا في الآيات فإن قوله تعالى: رسم>
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قرآن>
رسم> معنى يعبدوني يخصوني بالعبادة ظاهر في الحكمة في خلق الإنس والجن، المحتسبون والدعاة يلفتون أنظار الخلق إلى ذلك، ويدعون إليه؛ وذلك لأن ليس كل أحد يشعر بهذا الأمر، فإن الكثير والكثير في أطراف البلاد إذا ولدوا ونشئوا لا يعرفون شيئا، لم يتعلموا من مجتمعهم ولا من أبويهم ولا من مدربيهم ومعلميهم شيئا مما يتعلق بالعقيدة وترسيخها نشئوا على جهل فلا بد أن يشعر العلماء بمسئوليتهم ولا بد أن يعلموهم ما يلزمهم. فنقول: إن هذا هو أهم واجب على العباد أولا أن يتعلموه ويعملوا به في أنفسهم.
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ قرآن>
رسم> وهذا معنى التوحيد، اعبدوا الله يعني أخلصوا له العبادة ووحدوه، اجتنبوا الطاغوت يعني اتركوا عبادة ما سوى الله تعالى من المعبودات فإنها تسمى طواغيت، كما قال تعالى: رسم>
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ قرآن>
رسم> وكذلك سمعنا أن كل الرسل بدءوا دعوتهم بقولهم لأممهم: رسم>
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قرآن>
رسم> فيدل على أهمية البداءة بذلك الداعية مثلا، و المحتسب يجعل اهتمامه بترسيخ العقيدة رأس> التي هي معرفة الله تعالى ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، والتي هي إخلاص العبادة لله وحده يعني عبادة الله وترك عبادة ما سواه، فإذا قاموا بذلك فقد أسسوا الأساس، وبقيت عليهم التكميلات.
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ قرآن>
رسم> هذا وصفه وهو وصف كل نبي، كل نبي أمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث، والمعروف له أصول وله فروع فأصوله التوحيد والعبادة، والعقيدة والمعرفة -معرفة الله- وما تستلزمه هذه المعرفة فيبدءون بالأمر بهذا؛ يعني يدعون الناس إلى أن يوحدوا الله تعالى، وهذا أعرف المعروف، ثم ينهون عن ضده وهو كل ما ينقص هذا التوحيد من الشرك ومن وسائل الشرك، ويبينون للناس هذه الوسائل أو ما يوقع فيها؛ فإن من أمر بشيء لا بد أن ينهى عن ضده رأس> فـ التوحيد هو أول ما يؤمر به رأس> و الشرك أول ما ينهى عنه رأس> وبمعرفة الشرك وتجنبه يعرف التوحيد، نقول مثلا: إن التوحيد هو العبادات التي أمر الله بها رأس> ؛ الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة والخشية والخشوع والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر والركوع والسجود وما أشبهها تسمى هذه عبادات، وإخلاصها لله تعالى توحيد؛ فإذا عرفها الإنسان وتقرب بها إلى ربه سبحانه احتاج أن يعرف ما يضادها من الشرك بالله تعالى ومن وسائل الشرك.