موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
بحث في الحكمة التي من أجلها قامت الولايات وشرعت الحسبة
بحث في الحكمة التي من أجلها قامت الولايات وشرعت الحسبة
عدد المشاهدات
()
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو العباس أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام العالم شهاب الدين عبد الحليم، ابن الشيخ الإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية اسم> رحمة الله تعالى:
الحمد لله نستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمد اسم> عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة, وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، حيث بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته. أما بعد:
فهذه: ((قاعدة في الحسبة)). أصل ذلك أن تعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول والمؤمنون قال الله تعالى: رسم>
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم>
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ قرآن> رسم> وقال: رسم>
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ قرآن> رسم> .
وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كلا منهم يقول لقومه: رسم>
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قرآن> رسم> وعبادته تكون بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وذلك هو الخير والبر والتقوى والحسنات، والقربات والباقيات الصالحات والعمل الصالح، وإن كانت هذه الأسماء بينها فروق لطيفة ليس هذا موضوعها، وهذا الذي يقاتل عليه الخلق، كما قال تعالى: رسم>
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ قرآن> رسم> وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري اسم> رضي الله عنه قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: رسم>
من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متن_ح> رسم> .
وكل بني آدم اسم> لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم؛ ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع، فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد، والناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم اسم> لا بد لهم من .
فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم، مصيبين تارة ومخطئين أخرى، وأهل الأديان الفاسدة من المشركين وأهل الكتاب المستمسكين به بعد التبديل أو بعد النسخ والتبديل: مطيعون فيما يرون أنه يعود عليهم بمصالح دينهم ودنياهم. وغير أهل الكتاب منهم من يؤمن بالجزاء بعد الموت، ومنهم من لا يؤمن به، وأما أهل الكتاب فمتفقون على الجزاء بعد الموت، ولكن الجزاء في الدنيا متفق عليه من أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة؛ ولهذا يروى: الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة.
وإذا كان لا بد من طاعة آمر وناه فمعلوم أن دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له، وهو الرسول النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وذلك هو الواجب على جميع الخلق، قال الله تعالى : رسم>
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم>
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا قرآن> رسم> وقال سبحانه: رسم>
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ قرآن> رسم> .
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبة الجمعة: رسم>
إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها متن_ح> رسم> وكان يقول في خطبة الحاجة: رسم>
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا متن_ح> رسم> .
وقد بعث الله رسوله محمدا اسم> -صلى الله عليه وسلم - بأفضل المناهج والشرائع، وأنزل عليه أفضل الكتب، وأرسله إلى خير أمة أخرجت للناس، وأكمل له ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة، وحرم الجنة إلا على من آمن به وبما جاء به، ولم يقبل من أحد إلا الإسلام الذي جاء به، فمن ابتغى غيره دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. وأخبر في كتابه أنه أنزل الكتاب والحديد ليقوم الناس بالقسط؛ فقال تعالى: رسم>
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ قرآن> رسم> .
ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بتولية ولاة أمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردوا الأمانات إلى أهلها، أو إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله تعالى، ففي سنن أبي داود عن أبي سعيد اسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : رسم>
إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم متن_ح> رسم> وفي سننه أيضا عن أبي هريرة اسم> أيضا مثله، وفي مسند الإمام أحمد اسم> عن عبد الله بن عمر اسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم>
لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم متن_ح> رسم> .
فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولى أحدهم؛ كان هذا تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك، ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها دينا يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان، من أفضل الأعمال الصالحة، حتى قد روى الإمام أحمد اسم> في مسنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم>
إن أحب الخلق إلى الله أمام عادل، وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر متن_ح> رسم> .
نأخذ من هذه المقدمة أولا: ما خلق الله تعالى له الخلق، وما أرسل به الرسل، وثانيا : الحكمة والمصلحة التي تعود إلى الخلق في هذه الأمور. ذكر الشيخ - رحمه الله - أن جميع الولايات التي تحصل التولية عليها في الدنيا يقصد منها تحقيق عبادة الله تعالى، فولاة الأمور الذين هم السلاطين والحكام والملوك يقصد من توليتهم توطين البلاد، وكذلك تثبيت الأمن فيها، وكذلك التمكين للعباد من أداء حقوق ربهم سبحانه وتعالى.
كذلك مثلا ولاة القضاء؛ القضاة ومن معهم، القصد من توليتهم لا شك أنه الإصلاح حتى لا يكون هناك اعتداء ولا ظلم، فهم يأخذون على يد الظالم ويبينون من له الحق ومن عليه، فولايتهم فيها مصالح كبيرة.
كذلك أيضا ولاة المساجد أئمة وخطباء ونحوهم يقصد أيضا من توليتهم الحفاظ على العبادات وعلى إقامة الصلوات وعلى النصيحة للجماعة وللحاضرين، وتعليمهم ما هم بحاجة إليه وما أشبه ذلك، فإن ذلك كله من الاحتساب يعني من الأعمال التي شرعها الله تعالى حتى يعبدوا الله تعالى ويظهروا ما شرعه ويبينوا للناس الأحكام التي تلزمهم، ويقال هكذا أيضا في بقية الولايات فإن القصد منها نفع الأمة، فيقال مثلا للكتَّاب والحساب القصد منكم نفع الأمة وبيان ما ينفعهم من جهتكم، ويقال مثلا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القصد من توظيفكم زجر الناس عن المنكرات والحيلولة بينهم وبين المعاصي وحثهم على الطاعات، وكذلك يقال للمعلمين والمربين ونحوهم، الكل عليهم وظائف وواجبات يعملونها ومع ذلك فإن الجميع مطالبون بأمر واحد وهو تحقيق إظهار الدين.
وولاة الأمر مطالبون بذلك والقضاة مطالبون به والهيئات مطالبون به وكذا الأئمة والخطباء والمدرسون والمدربون والمعلمون وما أشبههم، الكل قد طلب منهم أن يقوموا بواجبهم في صالح الأمة الإسلامية.
مسألة>
-2-