موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
عمل الحسبة في التسعير ( تابع )
عمل الحسبة في التسعير ( تابع )
عدد المشاهدات
()
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> -رحمه الله تعالى- قلت والمسألة الثانية التي تنازع فيها العلماء في التسعير: ألا يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه مع قيام الناس بالواجب، فهذا منع منه جمهور العلماء حتى مالك اسم> نفسه في المشهور عنه، ونقل المنع أيضًا عن ابن عمر اسم> وسالم اسم> والقاسم بن محمد اسم> وذكر أبو الوليد اسم> عن سعيد بن المسيب اسم> وربيعة بن أبي عبد الرحمن اسم> وعن يحيى بن سعيد اسم> أنهم أرخصوا فيه، ولم يذكر ألفاظهم.
وروى أشهب اسم> عن مالك اسم> وصاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن ثلث رطل، ولحم الإبل نصف رطل، وإلا خرجوا من السوق. قال: إذا سعّر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق. واحتج أصحاب هذا القول بأن هذا مصلحة للناس بالمنع من إغلاء السعر عليهم، والإفساد عليهم، قالوا: ولا يجبر الناس على البيع، إنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحده ولي الأمر على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمشتري، ولا يمنع البائع ربحًا ولا يسوغ له منه ما يضر بالناس.
وأما الجمهور فاحتجوا بما تقدم من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد رواه أيضًا أبو داود اسم> وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن اسم> عن أبيه، عن أبي هريرة اسم> أنه قال: رسم>
جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا رسول الله! سعّر لنا، فقال: بل أدعو الله . ثم جاء رجل فقال: يا رسول الله سعر لنا! فقال: بل الله يرفع ويخفض، وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة متن_ح> رسم> قالوا: ولأن إجبار الناس على بيع لا يجب أو منعهم مما يباح شرعًا ظلم لهم والظلم حرام.
وأما صفة ذلك عند من جوزه، فقال ابن حبيب اسم> ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل السوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارًا على صدقهم، فيسألهم: كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا، ولا يجبرون على التسعير، ولكن عن رضا. قال: وعلى هذا أجازه من أجازه.
قال أبو الوليد اسم> ووجه ذلك أنه بهذا يتوصل إلى معرفة مصالح الباعة والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعّر عليهم من غير رضا بما لا ربح لهم فيه أدى ذلك إلى فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس. قلت: فهذا الذي تنازع فيه العلماء.
وأما إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب ويعاقبون على تركه، وكذلك من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع أن يبيع إلا بأكثر منه: فهنا يؤمر بما يجب عليه ويعاقب على تركه بلا ريب.
ومن منع التسعير مطلقًا محتجًّا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم>
إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال متن_ح> رسم> فقد غلط، فإن هذه قضية معينة ليست لفظًا عامًّا، وليس فيها أن أحدًا امتنع من بيع يجب عليه أو عمل يجب عليه، أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل.
ومعلوم أن الشيء إذا رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة ولكن الناس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم، والمدينة كما ذكرنا إنما كان الطعام الذي يباع فيها غالبًا من الجلب، وقد يباع فيها شيء يزرع فيها، وإنما كان يزرع فيها الشعير، فلم يكن البائعون ولا المشترون ناسًا معينين، ولم يكن هناك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو إلى ماله؛ ليجبر على عمل أو على بيع، بل المسلمون كلهم من جنس واحد، كلهم يجاهد في سبيل الله، ولم يكن من المسلمين البالغين القادرين على الجهاد إلا من يخرج في الغزو، وكل منهم يغزو بنفسه وماله، أو بما يعطاه من الصدقات أو الفيء، أو ما يجهزه به غيره، وكان إكراه البائعين على أن لا يبيعوا سلعهم إلا بثمن معين إكراهًا بغير حق، وإذا لم يكن يجوز إكراههم على أصل البيع فإكراههم على تقدير الثمن كذلك لا يجوز.
وأما من تعين عليه أن يبيع فكالذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قدر له الثمن الذي يبيع به ويسعر عليه، كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم>
من أعتق شركًا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل ولا وكس ولا شطط، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد متن_ح> رسم> فهذا لما وجب عليه أن يملك شريكه عتق نصيبه الذي لم يعتقه ليكمل الحرية في العبد قدر عوضه؛ بأن يقوَّم جميع العبد قيمة عدل لا وكس ولا شطط، ويعطى قسطه من القيمة.
فإن حق الشريك في نصف القيمة لا في قيمة النصف عند جماهير العلماء، كمالك اسم> وأبي حنيفة اسم> وأحمد اسم> ولهذا قال هؤلاء، كل ما لا يمكن قسمه فإنه يباع ويقسم ثمنه إذا طلب أحد الشركاء ذلك، ويجبر الممتنع على البيع، وحكى بعض المالكية ذلك إجماعًا؛ لأن حق الشريك في نصف القيمة كما دل عليه هذا الحديث الصحيح، ولا يمكن إعطاؤه ذلك إلا ببيع الجميع.
فإذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء من ملك مالكه بعوض المثل لحاجة الشريك إلى إعتاق ذلك، وليس للمالك المطالبة بالزيادة على نصف القيمة فكيف بمن كانت حاجته أعظم من الحاجة إلى إعتاق ذلك النصيب؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام واللباس وغير ذلك. وهذا الذي أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من تقويم الجميع بقيمة المثل هو حقيقة التسعير.
وكذلك يجوز للشريك أن ينتزع النصف المشفوع من يد المشتري بمثل الثمن الذي اشتراه به، لا بزيادة، للتخلص من ضرر المشاركة والمقاسمة، وهذا ثابت بالسنة المستفيضة وإجماع العلماء، وهذا إلزام له بأن يعطيه ذلك الثمن لا بزيادة، لأجل تحصيل مصلحة التكميل لواحد، فكيف بما هو أعظم من ذلك ولم يكن له أن يبيعه للشريك بما شاء؟ بل ليس له أن يطلب من الشريك زيادة على الثمن الذي حصل له به، وهذا في الحقيقة من نوع التولية.
مسألة>
-20-