موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل
باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل
عدد المشاهدات
()
قال البخاري اسم> -رحمه الله تعالى- باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل؛ لقوله تعالى: رسم> قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا قرآن> رسم> فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: رسم> إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ قرآن> رسم> رسم> وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ قرآن> رسم> حدثنا أبو اليمان اسم> قال: أخبرنا شعيب اسم> عن الزهري اسم> قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص اسم> عن سعد اسم> -رضي الله عنه- رسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطى رهطا وسعد اسم> جالس، فترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله، ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: أو مسلما. فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: أو مسلما، فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا سعد اسم> إني لأعطي الرجل وغيرُه أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار متن_ح> رسم> ورواه يونس اسم> وصالح اسم> ومعمر اسم> وابن أخِي الزهري عن الزهري اسم> .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه الآية في سورة الحجرات: رسم>
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ قرآن> رسم> قيل: إن هؤلاء كانوا منافقين آمنوا بألسنةٍ ظاهرًا ولم تؤمن قلوبهم لم يدخل الإيمان في قلوبهم؛ فلأجل ذلك أنكر الله عليهم قولهم: رسم>
آمَنَّا قرآن> رسم> فقال: إنكم رسم>
لَمْ تُؤْمِنُوا قرآن> رسم> وإنما قولوا: رسم>
أَسْلَمْنَا قرآن> رسم> فإن (الإسلام): يكون هو الأعمال الظاهرة الاستسلام في الظاهر، بمعنى: أنكم دخلتم في مسمى الإسلام حيث استسلمتم وعملتم بالأعمال الظاهرة، ولكن قلوبكم لم تطمئن بالإيمان، رسم>
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ قرآن> رسم> ولم تنشرح به ولم تصدقوا به يقينا ولم تتبعوه عن قناعة، بل أنتم مترددون في شك من دينكم، فلا تقولوا: رسم>
آمَنَّا قرآن> رسم> وإنما تقولون: رسم>
أَسْلَمْنَا قرآن> رسم> يعني: استسلاما ظاهرا.
وكان كثير من المنافقين وكثير من الأعراب دخلوا في الإسلام كتجربة؛ بمعنى: أنهم يقولون: حيث إن الإسلام قد ظهر وصار له تمكن، وتَمَكَّنَ محمد اسم> ومن معه وغلبوا على كثير من البلاد فندخل معهم، وإن كنا لم نطمئن بصحة ما هم فيه، وإنما نستسلم لهم غير معتقدين صحة ما هم عليه.
فكثير منهم كالمنافقين، قال الله تعالى: رسم>
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ قرآن> رسم> .
الأعراب: هم البوادي الذين يتنقلون من مكان لمكان. في هذه الآية: رسم>
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا قرآن> رسم> يدل على أنهم غير مؤمنين، أنهم غير متبعين للحق كله؛ ولهذا قال: رسم>
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قرآن> رسم> يعني: أنهم أشد من غيرهم كفرا ونفاقا.
ولهذا لا يتقبلون كل ما جاء في القرآن أو في الإسلام، وإنما يعملون بما يناسبهم، وقال: رسم>
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا قرآن> رسم> الذي ينفقونه من أموالهم يتخذونه مغرما، كأنهم غُرِّمُوا قهرا وغصبا عليهم فلا يحتسبون بما ينفقون، ولا يجعلون له أجرا، ولا يرون أنهم بحاجة إلى عمل في الآخرة، وقد يكونون في شك من البعث بعد الموت، وقد يكونون يحبون الكفار في باطن قلوبهم أشد حبا من المؤمنين، وإذا جاهدوا فلا يجاهدون لأجل نصر الدين، وإنما يجاهدون لأجل المغنم لأجل ما يحصل لهم من الغنيمة ويجاهدون .. على أمر دنيوي، وأشباه ذلك من أعمال المنافقين.
فهذا هو السبب في أن الله قال: رسم>
قل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا قرآن> رسم> نحن نعاملهم بالظاهر والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعاملهم بالظاهر ولا يطلع على القلوب إلا علام الغيوب، فهو يقبل علانيتهم ويكل سرهم إلى الله، هكذا جاء في هذه الآية.
لا شك أن هناك منهم من اطمأن بالإيمان وأحبه وركن إليه؛ ولهذا قال في الآية الأخرى: رسم>
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ قرآن> رسم> يعني: منهم من هم مؤمنون حقا، يعتقدون أن ما ينفقونه وما يؤخذ منهم من أموالهم قربات تقربهم إلى رضا الله تعالى، مع أنهم يؤمنون إيمانا حقيقيا بالله وبرسوله وبأركان الإيمان، فلا بد أن يكون في الأعراب من دخل الإيمان في قلوبهم، ولكن الأكثر أنهم أجدر على ما ذكره الله: رسم>
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا قرآن> رسم> .
وأما حديث سعد اسم> في هذه القصة جاءت للنبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة دراهم من فضة أو دنانير، وكان حوله بعض الناس فأخذ يعطي هذا وهذا وهذا وهذا، وترك منهم واحدا يعرف منه سعد اسم> أنه مستحق وأنه أحق من غيره، فاستغرب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك هذا وأعطى هؤلاء، فزكاه عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: رسم>
ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم- أو مسلما متن_ح> رسم> يعني: لا تقل: مؤمنا فالإيمان خفي، ولكن تشهد له بالإسلام الظاهر ولا تزكيه في الباطن، قل: إنه مسلم، لا تقل: إنه مؤمن.
عند ذلك سكت سعد اسم> ثم إنه كرر عليه هذه الكلمة: رسم>
ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فكرر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: أو مسلما متن_ح> رسم> إلى ثلاث مرات. فكأنه يعرف سعد بن أبي وقاص اسم> -رضي الله عنه- يعرف منه صحة الإيمان، وذلك لما رأى أو يرى من كثرة أعماله أنه يصوم ويتصدق وأنه يصلي ويتنفل ويجاهد ويترك المحرمات؛ فجزم بأنه مؤمن، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم>
أو مسلما متن_ح> رسم> يعني: لا يكون مؤمنا..، ولكن اجزم بأنه مسلم لأنك تشاهد أعماله الظاهرة، وأما ما في القلب فلا تجزم به وذلك لأنه خفي لا يعلمه إلا الله.
قد يستدل بهذا وبالآية على أن هناك فرقا بين الإسلام والإيمان، وأن (الإسلام) هو الأعمال الظاهرة، وأن (الإيمان) هو ما يكون في القلب، هو ما كان في القلب على ما يقول به المرجئة مرجئة الفقهاء.
ولكن نقول: إن الإيمان الذي يكون في القلب هو الذي يثمر كثرة الأعمال، فتكون الأعمال داخلة في الإيمان، وهو ما يختاره أهل السنة، ولهذا البخاري اسم> -رحمه الله- يذكر أبوابا كثيرة في خصال الإيمان، وهو أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، يعني فيقول: الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، مع أنها أعمال بدنية أو مالية.
وكذلك الشهادتان من الإيمان، الذكر من الإيمان، مع أنها كلمات قولية، وكذلك حب الله ورسوله من الإيمان، كراهة الكفر من الإيمان، والحياء من الإيمان مع أنها أعمال قلبية.
في هذا الحديث اعتذر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عدم إعطائه لهذا الرجل، اعتذر عن تركه لهذا الرجل: رسم>
إني لأعطي قوما وأترك آخرين، والذين أتركهم أحب إلي من الذين أعطيهم؛ مخافة أن يكبهم الله في النار متن_ح> رسم> يعني: أن هؤلاء الذين أعطاهم كأنهم من الذين قال الله: رسم>
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ قرآن> رسم> فهو يخشى أنهم إذا تركهم ارتدوا، وقالوا: لا يعطينا من المال الذي يعطيه الله الذي عنده، فيرتدون ويكفرون ويلحقون بالكفار ويموتون على الكفر، ويلقيهم الله تعالى في النار، ويكون ذلك سببا في كفرهم فهو يعطيهم حتى يرغبهم يعطيهم من الصدقات والزكوات والنفقات والواردات المالية التي ترد عليه فيعطيهم لضعف إيمانهم، ويترك من هم أقوى إيمانا يترك القوي إيمانه؛ لأن إيمانهم يحميهم عن الردة وعن الكفر.
هكذا اعتذر، وإلا فإنه يعرف أن هذا الرجل الذي ترك أحسن حالا أو أقوى إيمانا من الذين أعطاهم.
مسألة>
-15-