موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
3- الإيمان بالحساب
3- الإيمان بالحساب
عدد المشاهدات
()
[ ويحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن، فيقرره بذنوبه؛ كما وُصف ذلك في الكتاب والسنة.
وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته ؛ فإنه لا حسنات لهم ، ولكن تعد أعمالهم فتحصى ، فيوقفون عليها ، ويقرون بها ويجزون بها ] .
(الشرح)وسط> قوله: (ويحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن، فيقرره بذنوبه؛ كما وصف ذلك في الكتاب والسنة): من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر به، ومما أخبر به: الإيمان باليوم الآخر. يوم القيامة، وهو يوم الجزاء والحساب، فنؤمن بالحساب والجزاء. وقد ذكر الله أنه سريع الحساب، أي يحاسب خلقه في أقل القليل، ويقدر أن يحاسبهم جميعًا في موقف واحد ولا يشغله شأن عن شأن. الحساب هو إما أن يوقف الإنسان على أعماله، ويقال له: حاسب نفسك كما في قول الله تعالى: رسم> اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا قرآن> رسم> [ الإسراء: 14] آية> وهو أنه يُعطى كتابه وفيه حسناته وسيئاته، ومقدار كل منهما وجزاؤها، ويقال: رسم> كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا قرآن> رسم> هذا نوع من الحساب.
ولكن الحساب أيضًا يكون بأن يوقف عليها، ويسأل عن عذره فيها، ونحو ذلك، وقد ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> من نوقش الحساب عُذِّبَ قالت عائشة اسم> أليس الله يقول: رسم> فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قرآن> رسم> ؟ قال: إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب عذب متن_ح> رسم> . ومعنى مناقشة الحساب: يسأل عن كل تقصير، ويسأل عن كل سيئة، ويقال: له: ما عُذرك في هذا التقصير؟ قد قصرت في هذا العمل، قد تركت هذا العمل، قد اقترفت الذنب الفلاني فما عذرك فيه؟ وما عذرك في ترك شكر النعمة؟ وما عذرك في كفر نعم الله التي منها كذا وكذا؟ وماذا أديت من الحقوق الواجبة عليك؟ فإن العبد لو حُوسِبَ حسابًا دقيقًا، لفنيت حسناته مقابل نعم الله عليه، وبقي عليه ذنوب وسيئات لا يجد لها مقابلاً، فيكون مستحقا للعذاب. هذا معنى قوله: رسم> من نوقش الحساب عذب متن_ح> رسم> فهذا حساب المناقشة، أما حساب العرض الذي في قوله تعالى: رسم> فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قرآن> رسم> [ الانشقاق: 8]. آية> فهو: أن تعرض عليه أعماله مجرد عرض ويقال: هذه حسناتك قد ضُوعفت إلى كذا وكذا، وهذه سيئاتك، وهذه نعم الله عليك، وهذا ما قمت به من حقوقه، وهذا ما أديته من شكر الله على نعمه وما أشبه ذلك.
ففي هذه الحال إذا عرضت عليه ولم يسأل لماذا فعلت؟ ولماذا زدت؟ ولماذا نقصت؟ كان هذا هو حساب العرض؛ أن تعرض عليه أعماله ثم يُعْفَى عنه، فهذا هو الحساب اليسير. حساب الله تعالى على الأعمال هو: أن تقابل السيئات بالحسنات، وتقابل الحسنات بالنعم، فإن الإنسان عليه حقوق لله تعالي في مقابل النعم. وبعض الناس يستكثر أعماله فيقول: عملت أعمالا كثيرة من صلوات وصدقات وأذكار وقراءة قرآن وجهاد وحج وعمرة وصوم وطواف، ولم أقترف سيئات أبدًا. فيقال: من نوقش الحساب عذب؛ وذلك لأن عليك حقوقا لله تعالي مقابل نعمه عليك، فلو لم يحاسبك إلا على ما أعطاك ويسر لك، لكان حقه عليك أكبر، وورد في بعض الأحاديث أن الله يقول لعبده: رسم> ألم نُصح جسمك، ونُرويك من الماء البارد متن_ح> رسم> فهذه نعمة عامة، صحة الجسم للخلق كلهم. وكذلك إتمام الخلق، بحيث إن الإنسان كاملة أعضاؤه وحواسه ومنافعه، فلم يفقد حاسة يحس بفقدها، ولم يفقد عضوًا يختل به توازنه، بل أعضاؤه متكاملة، وذلك من أكبر نعم الله عليه؛ أعني الأغلب من الناس، فيحاسبه الله على هذه الأعمال، ولو أخذ حق هذه النعم لفنيت حسناته، كما ورد أنه يؤتى برجل وله أعمال صالحة كأمثال الجبال، فيقول الله لملائكته: أدخلوه الجنة برحمتي، فيقول: لا يا ربي، بل بأعمالي، هذه الأعمال الكثيرة، فيقول الله لنعمة السمع مثلا: خذي حقك- يعني من أعماله- وكذا نعمة البصر، وكذا نعمة الصحة وما أشبه ذلك. نعمة واحدة إذا أخذت حقها منه؟ فإنها لا تترك له شيئًا. فيقول تعالى: أدخلوا عبدي النار بعدلي. فيقول: لا يا ربي، أدخلني الجنة برحمتك. وورد ذلك أيضًا في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رسم> لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل متن_ح> رسم> . أعمالنا مهما كثرت لا تبلغ أن نستحق بها الجنة وإن كانت سببًا، ولكن الله تعالى يتفضل على عباده، فيدخلهم الجنة بواسع رحمته، فإن الله جعل الرحمة مائة جزء، منها جزء واحد يتراحم العباد به في الدنيا فيما بينهم، وكذلك الدواب، وبقية الأجزاء يجمعها يوم القيامة ويرحم بها عباده ويتفضل عليهم، بحيث إنه يتفضل عليهم ويعطيهم واسع الرحمة.
وأيضًا فإن أعمالهم قد كتبتها الملائكة، فلا بد أنهم يوقفون عليها فيقال لهم: هل تنكرون منها شيئًا؟ فإن أنكروه شهدت عليهم جوارحهم، وكذلك شهدت عليهم الملائكة. عند ذلك يعترفون ويقرون، ولا يدخلون النار إلا بعد الاعتراف بأنهم مستحقون للعذاب، وبأنهم مستحقون للنار، فيقال بعد أن يعترفوا: هذا جزاؤكم وهذا مصيركم النار، وبئس المصير. الحاصل أن الحساب في الآخرة الذي يؤمن به أهل السنة رأس> هو: حساب الله لعباده المؤمنين، بأن يحاسبهم ويعرض عليهم أعمالهم، ويُقررهم بها ويجازيهم عليها، وينقص من الحسنات بقدر السيئات، إذا كان للعبد حسنات كثيرة وسيئات كثيرة، أخذ من الحسنات مقابل السيئات، وما بقي له من الحسنات جُوزِيَ عليها. ومن المعلوم أن الله سبقت رحمتُه غضبَه، ومن ذلك المضاعفة، فقد ذكر الله أن الحسنات تضاعف رسم> مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا قرآن> رسم> [الأنعام: 160] آية> فويل لمن غلبت آحاده عشراته، فإذا كانت سيئاته التي هي واحدة وواحدة وواحدة قد غلبت حسناته التي هي عشر وعشر وزادت عليها فهو من أهل الشقاء. وفائدة العلم بذلك، أن يتأهب الإنسان ليوم الحساب ويستعد له ويعمل الأعمال التي تكثر بها حسناته وتقل بها سيئاته، ويعرف حقوق الله عليه، ويحرص على أداء حقوقه لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين.
ويؤمن المؤمنون أيضًا بما يكون في القيامة، وقد ذكر في الأحاديث طول القيام في يوم القيامة، وذكر الحساب، وذكر الميزان والصراط والحوض، وذكر مع طول القيام دنو الشمس وشدة حرارتها، وكثرة الحر، وإلجام العرق لبعض الناس، وذكر الشفاعة وغير ذلك. فهذا مما يكون في يوم القيامة في الموقف قبل دخول الجنة والنار.