(الشرح)وسط>* قوله: (والعباد فاعلون حقيقة والله خلق أفعالهم...): إذا عرفنا أن ما في الكون من مخلوقات فهو مقدر ومخلوق لله، بما في ذلك: حركات العباد وأفعالهم، وقلنا: إن الله هو خالق العباد، وخالق أفعالهم، وهو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الذي أقدر المؤمنَ على الإيمان، وقوَّى العاصي على العصيان؛ وذلك لأن الله تعالى كامل القدرة، فلا يقدر عبد أن يعصيه قسرًا، ولا يقدر إنسان أن يفعل ما لا يشاؤه الله، بل مشيئة العبد وقدرته مسبوقة بمشيئة الرب وقدرته. ومع ذلك فإن الله جعل في العباد قدرة واستطاعة يُزَاولون بها أعمالهم، وبهذه القدرة التي فيهم، نسبت إليهم الأعمال، فصار ينسب العمل إلى العبد، فيقال: هذه صلاتك، وهذه حسناتك، وهذه سيئاتك، فتنسب إليه أعمال الخير؛ لأنه مصدرها، وإن كانت مقدرة ومكتوبة عليه، وإن كانت مخلوقة لله قبل فعله، وتنسب إليه أيضا أعمال السوء فيقال: هذه سيئات فلان، أساء فلان في كذا، فتنسب إليه الأعمال السيئة؛ لأنه مصدرها، فلأجل ذلك نعتقد أن العباد فاعلون حقيقة وأنهم مخلوقون هم وأفعالهم. قال تعالى: رسم> وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قرآن> رسم> [الصافات: 96] آية> فالعباد فاعلون حقيقة، ولكن الله خالقهم، وخالق أفعالهم، فللعبد قدرة وله إرادة، ولكن قدرة الله غالبة على قدرته، وإرادة الله غالبة على إرادته، فإذا شاء العبد أمرًا ولم يشأه الله لم يكن ولم يقع، فلا يقع إلا بعد مشيئة الله الكونية الأزلية القدرية. فإذا عرفنا أن العبد تنسب إليه أفعاله، فإن هذا هو مناط التكليف، فالعبد له قدرة وله إرادة، ولذلك فإنه ينسب إليه الإيمان كما في قوله تعالى: رسم> قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> [المؤمنون: 1] آية> وقوله: رسم> إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قرآن> رسم> [الأنفال: 2] آية> وقوله : رسم> إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا قرآن> رسم> [الحجرات: 15] آية> وقوله: رسم> إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا قرآن> رسم> [السجدة: 15] آية> كل هذا دليل على أن العبد ينسب إليه الإيمان . وكذلك ينسب إليه ضد الإيمان وهو الكفر فيقال: هذا قد كفر بالله كما قال تعالى: رسم> الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ قرآن> رسم> [محمد: 1]. آية>