موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
الأمر بالنظر في خلق السماوات والأرض
الأمر بالنظر في خلق السماوات والأرض
عدد المشاهدات
()
...............................................................................
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
كثيرا ما يأمر الله تعالى عباده أن يتفكروا ويعتبروا فيما بين أيديهم وما خلفهم؛ ليأخذوا آية ودلالة على قدرة ربهم الذي خلقهم من عدم, والذي خلق لهم هذه المخلوقات. لما نزل قول الله تعالى: رسم>
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ قرآن> رسم> قال المشركون: وما آية ذلك؟ أي: ما الدلالة على أنه إله واحد؟ أنزل الله الآية بعدها رسم>
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ قرآن> رسم> .
فإن هذه الآيات آيات ودلالات لقوم يعقلون، ولا يعتبر بها إلا أهل العقول الذكية, يتأملون ويتعقلون, ويعتبرون في خلق هذه السماء، وخلق هذه الأرض، واختلاف الليل والنهار، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض.
كلها آيات وعِبَرٌ ودلالات شاهدة بعظمة مَنْ أوجدها, ومَنْ خلقها. أقرب شيء إلى الإنسان: هذه الأرض, وما خلق الله تعالى فيها، إذا اعتبر فيها وتفكر استدل بذلك على عظمة الله سبحانه, وعلى كمال قدرته، رسم>
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ قرآن> رسم> الذين لا يعقلون ولا يتأملون ولا يتفكرون ولا يتذكرون ولا يعتبرون, هؤلاء بلا شك أشبه بالبهائم, حيث أنهم لم يتفكروا فيما خلقوا له, ولم يعرفوا الحكمة التي خلقوا لها؛ حيث لم ينظروا فيما بين أيديهم وما خلفهم.
ولو علموا لعرفوا أنهم ما خلقوا عبثا، وأن الذي خلقهم لا بد أن له عليهم حقوقا عظيمة، فلا يسعدون إلا بأدائها كلها، فإذا اتبعوا أهواءهم وشهواتهم, وأكبوا على ما تميل إليه نفوسهم، وأشبعوا غرائزهم وبطونهم وفروجهم، وجعلوا ذلك هو أكبر ما يهتمون به لم يلتفتوا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم، ولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، ولم يتأملوا ولم يتعقلوا؛ فأصبحوا بذلك كالبهائم التي ما خلق الله لها عقولا تفكر فيه، إنما جعل لها شهوة تعيش بها, تأكل من يابس, أو رطب هذا النبات, وتتوالد وليس لها تفكير ولا نظر.
فهكذا مَنْ لم يتأمل ولم يتفكر ولم يتعقل فيما خلق له هو مثل البهائم، وقد يكون أقل حالة من البهائم! نعرف أن الله سبحانه يلفت أنظار عباده إلى المخلوقات العلوية والسفلية فيأمرهم بأن يتفكروا في هذه المخلوقات ويعتبروا فيها، قال الله تعالى: رسم>
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ قرآن> رسم> الرب هو المربي, وهو المالك، أمرهم بأن يستدلوا على أنه ربهم بخلقه لهذه المخلوقات العلوية والسفلية، فإذا تأملوا فيها عرفوا أنه ربهم, وأنه الذي يملكهم ويتصرف فيهم. رسم>
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قرآن> رسم> يعني: أنشأها, وابتدأ خلقها دون أن يتخذ معه أعوانا أو شركاء. خلقها كما يشاء.
ذكر الله تعالى أنه خلق سبع سماوات طباقا، يقول الله تعالى: رسم>
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ قرآن> رسم> رسم>
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قرآن> رسم> يعني: انظر في هذه السماء التي فوقنا هل تجد فيها تشققا أو تفطرًا؟ تجد أن الله أحكمها عندما خلقها وجعلها رسم>
طِبَاقًا قرآن> رسم> أي: طبقة بعد طبقة, أحكمها وجعلها بهذا الخلق, أي سماء فوق سماء, إلى سبع كما شاء. سبع سماوات طبقة بعد طبقة, أي سماء فوق سماء رسم>
مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ قرآن> رسم> أي اختلال.. لا تجد فيها عيبا ولا خللا؛ هذا شاهد على أنه سبحانه خلقها سبع سماوات. وقد مر بنا أن بعد ما بيننا وبين السماء الدنيا مسيرة خمسمائة سنة.
مَنِ الذي يحصيها؟ حددها الله تعالى, وأطلع نبيه على هذه المسافة. وكذلك ورد أن ضخامة وكثف هذه السماء وعرضها أو غلظها كذلك مسيرة خمسمائة سنة. وهكذا السماوات, كل سماء بهذه المسافة؛ ومع ذلك خلقها الله تعالى كما شاء. قال بعض المؤرخين والفلكيين: إن الله خلقها من مادة البخار, أمر البحار أن تتبخر، فكان بخارها لما تجمد كانت منه هذه الأفلاك العلوية هذه السماوات, ثم رسب منه ما ترسب من ذلك الماء المتجمد, فخلق منه هذه الأرض وما عليها. الله تعالى قادر على أن يخلقها بدون مادة تتكون منها, بل: إنما يقول للشيء كن فيكون، إنما أمره بين الكاف والنون, فخلقها كما شاء دون أن يكون لها مادة تتكون منها, أو تتركب منها كما يشاء الله.
كذلك أيضا ورد الأمر بالنظر فيها للتعقل, وإن كانت أبصارنا لا تصل إليها حقيقة, لبعد ما بيننا وبينها، ولكن النظر فيها -ولو كانت بعيدة- والتأمل فيها والتعقل يفيد الإنسان عبرة وموعظة، ولذلك قال تعالى: رسم>
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ قرآن> رسم> ينظروا إليها بعقولهم ويتفكروا ويعترفوا بما أخبرهم به, وبما أمرهم به أنه خلقها. رسم>
كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ قرآن> رسم> أخبر بأنها مبنية: أي بناها الله تعالى.
ثم أخبر أيضا بأنه رفع سَمْكَهَا يقول تعالى: رسم>
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا قرآن> رسم> بناها كما شاء. رسم>
رَفَعَ سَمْكَهَا قرآن> رسم> أي: جعلها مرتفعة هذا الارتفاع. رسم>
فَسَوَّاهَا قرآن> رسم> ليس فيها خلل ولا نقص؛ يدل ذلك على أن ربنا سبحانه أحكم ما خلقه وأتقنه, وأنه أقام على الخلق الْحُجَجَ والبراهين إذا نظروا في هذه الأفلاك العلوية.
كذلك أيضا أخبر بأنه ثبتها بغير عَمَدٍ, يقول الله تعالى: رسم>
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا قرآن> رسم> أي: ليس هناك عمد تمسكها. السقف المرتفع يحتاج إلى ما يمسكه, لو سقطت هذه العمد من هذا المسجد لسقط السقف؛ لأنها التي تمسكه، ومع سعة السماء, ومع قوة ارتفاعها أمسكها الله تعالى بقدرته وبقوته، ولم يحتج إلى عمد تمسكها بل رسم>
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا قرآن> رسم> .
لا شك أن هذا دليل على عظمة الخالق سبحانه, كيف رفعها بهذا الارتفاع؟ وكيف أمسكها بقوته وبكمال قدرته مع سعتها؟ يقول الله تعالى: رسم>
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ قرآن> رسم> الأيد هو: القوة يعني رسم>
بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ قرآن> رسم> ليس هو جمع يد, ليس بأيدي, الأيد: هو القوة, أي بنيناها بقوة, والدليل قول الله تعالى عن داود اسم> رسم>
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ قرآن> رسم> أي صاحب الأيد, وليس الْأَيْد اليدين، وإنما أراد صاحب القوة في أمر الله.
فهكذا أخبر بأنه بناها بقوة وبقدرة، وبقوله: كن. فكانت كما شاء. وأخبر أيضا بأنه زينها, قال تعالى: رسم>
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ قرآن> رسم> هذه المصابيح هي النجوم؛ النجوم التي رَكَّبَهَا في هذه السماء الدنيا, وسَيَّرَهَا كما شاءت في أفلاكها، تسير كما يشاء الله رسم>
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ قرآن> رسم> أي: بهذه النجوم, جعلها كالسُّرُج. المصابيح هي: السرج التي تضيء الظلام؛ فهي تضيء لأهل الأرض، ويهتدون بها، وجعل فيها منافع لهم، قال الله تعالى: رسم>
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قرآن> رسم> النجوم مركبة في أفلاكها وسائرة كما يشاء الله، وسيرها يتفاوت؛ فبعضها أسرع سيرا من بعض, وكلها تطلع وتغيب كما يشاء، وبعضها لا يغيب, بل ثابت, كالقطب ثابت في موضعه, لا يتحرك إلا قليلا.
وكذلك أيضا بعضها يكون سيرها أسرع من سير الشمس، وبعضها يسرع في أول ما تطلع, كالزهرة, وعطارد, والمشتري, ونحوها، ثم تتأخر شيئا فشيئا, إلى أن تغيب في المشرق. لاشك أن هذا حكمة من الله, حيث جعلها بهذه الكيفية، أي: أحكمها, فنعتبر بذلك, ونعرف أن الذي خلقها هو خالق كل شيء، وهو رب كل شيء, وهو مالك الملك، وهو ذو الجلال والإكرام, وهو الذي يستحق أن يُعْبَدَ، كذلك أيضا من آياته هذه الأرض التي بسطها للأنام.
قال الله تعالى: رسم>
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا قرآن> رسم> أخبر بأنه دحاها, وأخبر بأنها بُسِطَتْ رسم>
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ قرآن> رسم> أي: صارت مسطحة مستوية، ومع ذلك جعلها فراشا .. فراشا للإنسان يتقلب فيها رسم>
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا قرآن> رسم> وجعلها بساطا رسم>
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا قرآن> رسم> .
هذه آياتٌ يُذَكِّرُ الله بها عباده رسم>
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا قرآن> رسم> السُّبُل: الطرق، أي: تسلكوا طرقا بين هذا وهذا.
فهذه آياته التي أمر بأن يعتبر الناس بها، يقول الله تعالى: رسم>
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ قرآن> رسم> .
خلق السماوات وخلق الأرض وما بث في الأرض التي تشاهدونها من الدواب التي تنتشر فيها، لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وقد أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وضمن لكل منها قُوتَهُ ورزقه الذي يكون سببا في وجوده, وفي حياته كما يشاء. فإذا اعتبر الْعِبَاد وتفكروا عرفوا بذلك قدرة مَنْ أوجد هذه الموجودات وأحكمها، ويكون من نتيجة ذلك: إخلاص العبادة له ولما فسر ابن كثير اسم> قول الله تعالى: رسم>
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قرآن> رسم> .
أنشد ما نقل عن ابن المعتز اسم> الذي هو من الشعراء الإسلاميين، يقول:
فـوا عجبـا كيـف يعصـى الإلـه | أم كــيف يجـحــده الجـاحـد |
وفــي كــل شـيء لـه آيــة | تـــدل عـلــى أنــه واحـد |
وللــه فــي كــل تحـريكـة | وتســكينـة أبــدا شــاهـد |
يعني: كيف يعصي رَبَّهُ العبدُ؟ ولا يتأمل ولا يتفكر في هذه الموجودات, ويأخذ منها عبرة على قدرة من خلقها وأوجدها. كيف خلقها خلقا تاما؟ ليس منها مخلوق يحس بشيء من النقص.
ذكر بعض العلماء أن أكبر, أو من أكبر المخلوقات المشاهدة الحية الفيل, ومن أصغرها البعوض الناموس.
مسألة>
-88-