بسم الله الرحمن الرحيم.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى:
الفصل الأول: الاحتجاج بالأخبار المكذوبة.
أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين الإسلام مما نعلم باليقين القاطع أنها كذب وبهتان؛ بل كفر شنيع، وقد يقولون من أنواع الكفر ما لا يروون فيه حديثا مثل حديث يروونه: أن الله ينزل عشية عرفة على جمل أورق, يصافح الركبان ويعانق المشاة, وهذا من أعظم الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وقائله من أعظم القائلين على الله غير الحق، ولم يرو هذا الحديث أحد من علماء المسلمين أصلا؛ بل أجمع علماء المسلمين وأهل المعرفة بالحديث على أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقال أهل العلم كابن قتيبة وغيره: هذا وأمثاله إنما وضعه الزنادقة الكفار ليشينوا به على أهل الحديث, ويقولوا إنهم يروون مثل هذا.
وكذلك حديث آخر فيه: أنه رأى ربه حين أفاض من مزدلفة يمشي أمام الحجيج, وعليه جبة صوف أو ما يشبه هذا البهتان والافتراء على الله, الذي لا يقوله من عرف الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا حديث فيه: أن الله يمشي على الأرض, فإذا كان موضع خضرة قالوا: هذا موضع قدميه، ويقرءون قوله تعالى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا هذا أيضا كذب باتفاق العلماء، ولم يقل الله: فانظر إلى آثار خطا الله؛ وإنما قال: آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ ورحمته: النبات.
وهكذا أحاديث في بعضها: أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في الطواف وفي بعضها: أنه رآه وهو خارج من مكة , وفي بعضها: أنه رآه في بعض سكك المدينة إلى أنواع أخر.
وكل حديث فيه أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بعينه في الأرض؛ فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم، لم يقله أحد من علماء المسلمين, ولا رواه أحد منهم؛ وإنما كان النزاع بين الصحابة في أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هل رأى ربه ليلة المعراج؟ فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ليلة المعراج. وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك، ولم ترو عائشة رضي الله تعالى عنها في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا، ولا سألته عن ذلك، ولا نقل في ذلك عن الصديق رضي الله تعالى عنه كما يروي ناس من الجهال: أن أباها سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم. وقال لعائشة لا. فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء.
ولهذا ذكر القاضي أبو يعلى وغيره أنه اختلفت الراوية عن الإمام أحمد رحمه الله هل يقال: إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بعيني رأسه؟ أو يقال: بعين قلبه؟ أو يقال: رآه ولا يقال: بعيني رأسه ولا بعين قلبه؟ على ثلاث روايات.
وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال: رأيت ربي في صورة كذا وكذا يروى من طريق ابن عباس ومن طريق أم الطفيل وغيرهما، وفيه: أنه وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج؛ فإن هذا الحديث كان بالمدينة وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نام عن صلاة الصبح، ثم خرج إليهم, وقال: رأيت كذا وكذا وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة كأم الطفيل وغيرها، والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم، وبنص القرآن والسنة المتواترة، كما قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .
فعلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة كما جاء مفسرا في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام مع أن رؤيا الأنبياء وحي لم يكن رؤيا يقظة ليلة المعراج.
وقد اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ير ربه بعينيه في الأرض، وأن الله لم ينزل له إلى الأرض، وليس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قط حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض؛ بل الأحاديث الصحيحة: أن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية: إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ .
وثبت في الصحيح: أن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية: إلى سماء الدنيا؛ فيباهي الملائكة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ما أراد هؤلاء؟ وقد روي: أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إن صح الحديث فإن هذا مما تكلم فيه أهل العلم. وكذلك ما روى بعضهم أن النبي .....