...............................................................................

---

وهكذا فالعادات التي يفعلها الإنسان بحكم العادة ما تجزي عن العبادات إلا بالنية، ومع ذلك فإن النية سبب في الثواب سبب في صلاح العمل وفي الثواب عليه، ذكر النووي في باب النية جملة من الأحاديث، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في في امرأتك يعني أنك لك أجر على اكتسابك المال لتغني نفسك، ولتنفق على أولادك، ولتنفق على زوجتك إذا نويت بذلك أن تتعفف، وأن تستغني عن الحرام؛ فإن ذلك مما تثاب عليه.
وكذلك ذكر الحديث الذي فيه: يغزو قوم الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم. فقالت عائشة كيف يخسف بهم وفيهم أسواقهم؟ يعني تجارهم ومن ليسوا منهم فقال: يبعثون على نياتهم الذين مثلًا نووا استحلال الكعبة وامتهان حرمتها يعاقبون على نيتهم، والذين ليس لهم نية وإنما ذهبوا معهم لأجل التجارة فليسوا يعاقبون على ذلك؛ لأن نيتهم صادقة فلا يعاقبون، ليس لهم نية بانتهاك حرمات البيت الحرام
وكذلك أيضًا ذكر النية في الأعمال النية التي تفسد الأعمال مثل حديث: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل للمغنم، ويقاتل ليرى مكانه هل له أجر؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله إذا كانت نيته بهذا القتال أن تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر فهذا هو الذي يثاب، يثاب على ذلك، أما الذي نيته تحصيل المغنم أو تحصيل أجر فليس له على ذلك أجر.
ومثل الحديث أو قصة رجل من الصحابة لما غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى رجل يخدمه، فاستأجر خادماً أعرابيا وقال له: اذهب معي لتخدمني؛ إصلاح طعام، أو حمل على بعير، أو سقي البعير، أو إصلاح الفراش أو نحوه، وأعطيك مثلًا من الغنيمة إذا غنمنا، فقال ذلك الرجل: أنا لا أدري هل تغنمون أم لا، ولكن افرض لي شيئا. فقال: لك ثلاثة دنانير، فلما غنموا استشار النبي صلى الله عليه وسلم: هل أعطيه من الغنيمة من سهمي أو من سهم غيري؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس له من غزوه في دنياه وآخراه إلا ثلاثة الدنانير التي فرضتها له أي ليس له أجر.
... تنقلب عبادات واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن على الإنسان صدقة قال: إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، ثم قال: وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! فقال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر يعني أن الإنسان إذا تزوج ليعف نفسه، وليحصن فرجه، وليغض بصره، وليعف امرأته، وليطلب ولدًا صالحًا فهذه نية صادقة، فيكون له أجر على هذه النية، بمعنى أن الله تعالى يثيبه حتى على شهوته التي هي شهوة عادية مباحة.
وهكذا أيضًا إذا نوى بالأكل عملًا صالحًا يثيبه الله، إذا نوى بأكله أن يتقوى على عبادة الله له أجر على هذا الأكل، إذا نوى بنومه بالنهار أن يتقوي على قيام الليل فله أجر على هذا النوم، مع أنه مما تستدعيه النفس، وهكذا لا شك أن هذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يثيب الإنسان ثوابًا كبيرًا على حسب نيته، ويقول بعض العلماء: كم من عمل صالح أفسدته النية، وكم من عمل فاسد أصلحته النية.
مثال العمل الصالح إذا نوى بعمله مدح الناس فإن عمله فاسد، فلو نوى بصدقته أن يمدحوه ويقولوا: هذا جواد سخي كريم كثير الصدقة، ما يريد الأجر في الآخرة، فمثل هذا لا أجر له على هذه الصدقات والنفقات ونحوها.
لذلك قال بعضهم: إن من بنى مسجدًا وكتب عليه اسمه يريد أن يذكروه وأن يمدحوه فإنه يخشى عليه أنه أبطل عمله، وكذلك من طبع كتابًا وذكر أنه من طبع فلان بن فلان يريد بذلك أن يشتهر وأن يمدحه الناس فإنه يخاف أنه قد أبطل عمله، إلا إذا قصد بذلك نية صادقة أن يدعو له من قرأ فيه، أو أن يعرفوه ويطلبوا منه مثل ذلك أو ما أشبه ذلك، فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
وتعرفون أيضًا الحديث الذي في الصحيح قصة الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: رجل قاتل في سبيل الله حتى قتل، فقال الله: ماذا عملت؟ قال: قاتلت فيك حتى قتلت. فقال الله: كذبت ولكنك قاتلت ليقال فلان جريء أو شجاع ، والثاني يقال آتاه الله مالاً فيقول: ماذا عملت فيه؟ يقول: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه. فيقول الله: كذبت ولكنك فعلت ذلك ليقال جواد، نيتك أن يمدحوك، وأن ينتشر ذكرك، فليس لك أجر على ما تصدقت به إلا ما حصلت عليه من ثناء الناس عليك في الدنيا، وكذلك القارئ أو العالم الذي قصد أن يقول الناس عالم أو قارئ، فيبطل بذلك عمله، فذلك كله يستدعي أن المسلم يقصد بعمله وجه الله تعالى ويقصد الأجر الأخروي، ولا يقصد مصلحة دنيوية، ولا يقصد سمعة ولا رياء بعمله، وبذلك يثيبه الله على ما في قلبه.