موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) إلى قوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) إلى قوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
عدد المشاهدات
()
رسم> وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قرآن> رسم> .
في هذه الآيات أيضا حكم من الأحكام. وهي: العمل إذا وقع القتال بين المسلمين ، وبيان أن هذا القتال لا يخرجهم من الإيمان؛ بل إن وصف الإيمان باق معهم؛ فالله تعالى أمر بالإصلاح بينهم؛ إذا تقاتل طائفتان من المؤمنين، وكذلك لو تقاتل اثنان؛ اثنان من المؤمنين؛ فإنه يجب الإصلاح بينهما، رسم>
وَإِنْ طَائِفَتَانِ قرآن> رسم> يعني: فرقتان أو قبيلتان من المؤمنين رسم>
اقْتَتَلُوا قرآن> رسم> أي: حصل بينهم ما يسبب القتال، أو ما يوجب الاختلاف إلى أن يؤدي ذلك إلى الاقتتال؛ فمهمة بقية المؤمنين السعي في الإصلاح، السعي في الصلح بينهم؛ حتى يزول ذلك الخلاف، وينقطع ذلك القتال.
هذا قد لا يقال: إنه خاص بالقتال؛ بل إذا حصل أية خلاف، وخيف أنه يقع منه غير القتال؛ من آثاره كالمقاطعة والتفاجر والتباغض والسباب ونحو ذلك؛ فعلى البقية أن يسعوا في الإصلاح بينهم؛ أن يسعوا في الصلح بين المسلمين؛ حتى تزول تلك العداوة، وتلك المقاطعة؛ مثلا إذا حصل بين طائفتين تهاجر بسبب كلام، أو بسبب تهم أو بسبب أموال. هؤلاء يقولون: هاتوا ما أخذتموه بغير حق، والآخرون يقولون: إنها لنا، وإننا أخذناها بحق؛ فيحصل بينهم البغضاء والتقاتل، أو لا يصلون إلى القتال، ولكن يحصل بينهما الهجران؛ أي: التهاجر والتعادي والتقاطع. وقد يكون أيضا بينهم قرابات ورحم؛ ومع ذلك يتقاطعون وهم أقارب فيكون ذلك من الفتن؛ فالله تعالى أمرنا بأن نسعى في الصلح بينهما: رسم>
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا قرآن> رسم> هكذا أصلحوا بينهما.
الصلح هو السعي في المؤاخاة ، وإزالة ما بينهما من العداوة، والحرص على تأليف القلوب فيما بينهم، وجمعها، وإزالة العداوة والشحناء والقطيعة.
هذا من أفضل الأعمال، ذكره الله تعالى؛ قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم رسم>
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ قرآن> رسم> أصلحوا فيما بينكم، إذا رأيتم بعض إخوتكم الذين هم من المؤمنين؛ رأيتموهم قد تقاطعوا فأصلحوا بينهم؛ حتى يتآخوا؛ كذلك قال تعالى: رسم>
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ قرآن> رسم> يعني أو سعيا في الصلح بين الناس؛ فإن ذلك مما يحبه الله تعالى، ومما يرغب فيه، ونحو ذلك من الآيات.
أمر الله تعالى في هذه الآيات بالصلح بين المتخاصمين والمتقاتلين، وفي آية أخرى: أمر بالصلح بين الزوجين قال الله تعالى: رسم>
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا قرآن> رسم> يعني: إذا كان الزوجان يريدان الإصلاح؛ وفق الله تعالى بينهما بواسطة الحكمين؛ كذلك أيضا قال تعالى: رسم>
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ من بعلها نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا قرآن> رسم> ؛ قرأها بعضهم: ( أن يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) الصلح خير، فيسعى في الصلح بينهما -بين الزوجين- إذا كان بينهما شيء ممن العداوة حتى تثبت حالتهما، وحتى يصلح ما بينهما. الصلح خير. فهذا دليل على أن الشرع جاء بالسعي في الصلح.
وجاء في الحديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم>
الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا متن_ح> رسم> ؛ كأنه يحث على الإصلاح بين المسلمين، وجاء في حديث: رسم>
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص في شيئا مما يقال إنه كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها متن_ح> رسم>.
هكذا أخبر بأن الصلح يكون بين المسلمين، وأنهم إذا سعوا في الصلح؛ في الحرب مثلا ولو كان ذلك فيه شيء من الكذب، أو كذلك سعوا في الصلح بين المسلمين يجوز الكذب رأس> يجوز للذي يسعى في الصلح أن يقول شيئا يقرب به بينه وبين الآخر؛ فيأتي إلى هؤلاء ويقول لهم: آمركم بالصلح؛ فإن خصومكم قد تنازلوا، وقد أحبوا منكم أن تتنازلوا عن بعض الشيء؛ مع أنهم ما تنازلوا، ثم إذا التزموا وقالوا: نعم، نحن نتنازل عن بعض حقنا، جاء إلى الآخرين ورغبهم وقال: تنازلوا كما تنازل هؤلاء فهذه إقراراتهم قد تنازلوا؛ حتى تصلح القلوب، وحتى تجتمع الأفئدة.
فكذلك إذا حصل بينهم قتال أو خيف أن يحصل الفساد؛ فإن أهل البلد أو بقية القبيلة أو بقية المسلمين أو القضاة أو الأمراء ونحوهم يصلحون؛ يصلحون بينهم؛ يسعون في الإصلاح رسم>
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا قرآن> رسم> .
رسم>
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ قرآن> رسم> ؛ إذا قدر أن إحداهما امتنعت من الصلح، قالت: لا نقبل، ولا بد أننا نقاتلهم ونشن الحرب عليهم؛ فإنهم أخافونا وإنهم اعتدوا علينا وبخسونا حقنا وظلمونا وعيرونا بكذا، وأعابونا بكذا وكذا؛ فلا نرضى بل لا بد أننا نقاتلهم، أو نستمر في التهاجر بيننا وبينهم، أو ما أشبه ذلك.
قوله: رسم>
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي قرآن> رسم> البغي هو التعدي، البغي هو العدوان، البغي هو مجاوزة الحد ؛ وهو مما حرمه الله؛ قال الله تعالى: رسم>
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ قرآن> رسم> يعني: البغي الذي هو الاعتداء بغير الحق؛ فهؤلاء هم الذين يقاتلون؛ يقاتلهم بقية المؤمنين.
كيف يكون القتال ؟ إذا احتيج إلى القتال الأكبر الذي هو القتال بالسيف، قوتلوا إلى أن يرجعوا إلى أمر الله، وإن استولي عليهم عذبوا بغير القتل؛ فيجلدون مثلا ويسجنون، وينكلون ويؤخذ من أموالهم تنكيلا وما أشبه ذلك؛ فيكون هذا هو قتالهم؛ حتى يرجعوا رسم>
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ قرآن> رسم> يعني حتى ترجع هذه الطائفة الممتنعة رسم>
فَإِنْ فَاءَتْ قرآن> رسم> ورجعت فعند ذلك أصلحوا بينهما رسم>
فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ قرآن> رسم> ؛ لا تميلوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ رسم>
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قرآن> رسم> .
العدل هو المساواة بينهما، وعدم الميل والحيف؛ فإذا كانت إحدى الطائفتين أقرب لكم نسبا؛ فلا تميلوا إليها؛ اعدلوا؛ يقول الله تعالى: رسم>
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ قرآن> رسم> يعني: لا يحملنكم رسم>
شَنَآنُ قَوْمٍ قرآن> رسم> يعني: بغضهم. أي: لا يحملنكم بغض قوم؛ رسم>
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قرآن> رسم> ويقول الله تعالى: رسم>
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ قرآن> رسم> يعني: أدوا الشهادة لله، رسم>
وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ قرآن> رسم> يعني ولو كانت الشهادة يعود ضررها على أنفسكم، أو على ذوي أقاربكم؛ فهكذا إذا سعوا في الصلح؛ فإنهم يصلحون بينهما بالعدل ولا يجورون في الحكم، ولا يظلمون هؤلاء لمصلحة خاصة.
رسم>
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا قرآن> رسم> والقسط أيضا: هو المساواة؛ يقول الله تعالى: رسم>
وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ قرآن> رسم> ؛ في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: رسم>
ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قرآن> رسم> فالمحسنون والمقسطون والعادلون يحبهم الله تعالى.
رسم>
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ قرآن> رسم> ولو تقاتلوا فلا يخرجهم تقاتلهم عن كونهم مؤمنين؛ فهم إخوة لكم جميعا؛ يعني الأخوة هاهنا الأخوة الإيمانية؛ يعني إنما المؤمنون جميعا إخوة لكم في الإيمان.
رسم>
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ قرآن> رسم> جعل هؤلاء إخوانكم، وهؤلاء إخوانكم؛ مع أنهم يتقاتلون فيما بينهم؛ فلم تخرجهم هذه المقاتلة عن كونهم إخوة؛ فهم إخوتكم يعني هؤلاء وهؤلاء، وكذلك بعضهم إخوة بعض، نقول لهؤلاء: ارجعوا إلى إخوانكم واصطلحوا معهم، ونقول لهؤلاء: راجعوا أنفسكم واصطلحوا مع إخوانكم؛ فأنتم جميعا إخوة في الإيمان؛ وأخوة الإيمان أقوى قد تكون أقوى من أخوة الولادة، أقوى من أخوة النسب ونحوه؛ وذلك لأن الإيمان لا تزول الأخوة معه حتى يزول سببه وهو الإيمان؛ فما داموا مؤمنين فإن الوصف يجمعهم، كونهم إخوانا في دين الله تعالى؛ أكد ذلك قول الله تعالى: رسم>
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا قرآن> رسم> وقوله صلى الله عليه وسلم: رسم>
المؤمن أخو المؤمن متن_ح> رسم> وقوله: رسم>
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متن_ح> رسم> وقوله: رسم>
كونوا عباد الله إخوانا متن_ح> رسم> فكل ذلك دليل على أننا نسعى في الصلح بين إخواننا؛ فنستفيد من هذه الآيات: أنه إذا تقاتلوا فإنهم يصدق عليهم أنهم مؤمنون: رسم>
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قرآن> رسم> ؛ أنهم جميعا باقون على الإيمان.
ونستفيد: أن قتال المؤمنين بينهم حرام ؛ وذلك لأنه يفت في عضد المؤمنين، والواجب أنهم يجتمعون، ويجعلون قوتهم لأعدائهم.
ونستفيد: أنهم إذا تقاتلوا؛ فلا يجوز تركهم، بل نسعى في الصلح بينهم؛ حتى تزول تلك العداوة.
ونستفيد: أن الصلح قد يكون بالرأي، ولو كان فيه شيء من الكذب ونحوه.
ونستفيد: أن من عتا وتجبر واعتدى وبغى بغيا ظاهرا أنه يقاتل؛ يقاتله بقية المسلمين إلى أن يرجع.
ونستفيد: أنهم إذا رجعوا حرصنا على تثبيت الأخوة بينهم.
ونستفيد: وجوب العدل بينهم، وأنا لا نميل في الصلح مع إحدى الطائفتين؛ بل نحكم بينهم بالعدل، ونسوي بينهم، ولا نميل مع هذه دون هذه.
ونستفيد: أن أخوة الإيمان سببها الإيمان رسم>
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ قرآن> رسم> .
ختم الله تعالى الآية بأمر بتقواه: رسم>
وَاتَّقُوا اللَّهَ قرآن> رسم> يعني يعم ذلك التقوى في طاعته من حيث العموم، وتقوى الله تعالى في إخواننا المؤمنين؛ بل علينا أن نؤلف بينهم؛ فنتقي الله في تركهم على هذه العداوات والمقاطعات.
ونستفيد: أن هذا يكون سببا للرحمة؛ السعي في الصلح يكون سببا في رحمة الله تعالى لمن سعى في الصلح بين المسلمين.
نكتفي بهذا والله أعلم.
مسألة>
-7-