المكتبة الصوتية
تسجيلات - كتب
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
وهذا كله في بيان أن ما جاء به وما بلغه هو المرجع. فالذين يقدمون أقوال مشائخهم على قول الله ورسوله ما صدَّقُوا بالشهادة، وكذلك الذين يُقَدِّمُون مذاهبهم في الفروع فضلا عن الأصول؛ الذين يقدمون الآثار التي في كتب أئمتهم، وفي كتب مشائخهم وعلمائهم، ويتركون السنة الصريحة التي صحت عن نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لا شك أيضا أنهم ما صدقوه غاية التصديق، ولا اتبعوه. لو اتبعوه لما قدموا على قوله قول فلان، أو قول فلان؛ سواء في الأصول أو في الفروع، ولكن الأصول أشد.
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا قرآن>
رسم> هكذا قرأها بعضهم، وقرأها آخرون: (إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) يعني: أنت بريء منهم، وليسوا من أمتك، سواء فارقوه أو فرقوه، فرقوه يعني: أخذوا بعضه دون بعض، أخذوا بعض الرسالة وتركوا بعضها، رسم>
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قرآن>
رسم> وكذلك قوله في سورة الروم: رسم>
وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ قرآن>
رسم> فإن هذا أيضا صريح في أنهم فَرَّقُوا دينهم، وأنهم صاروا بذلك من المشركين.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا قرآن>
رسم> إلى قوله: رسم>
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ قرآن>
رسم> اختلفوا؛ تفرقوا، وكانوا أحزابا. هؤلاء يقولون: نحن أتباع الجبائي اسم> وهؤلاء أتباع الجاحظ اسم> وهؤلاء أتباع أبي الهذيل العلاف اسم> وهؤلاء، وهؤلاء..! صاروا فرقا رسم>
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قرآن>
رسم> دين الله تعالى واحد؛ ولهذا في عهد الصحابة ما كان هناك فِرَقٌ؛ بل كل الصحابة على مِلَّةٍ واحدة، ولو اختلفوا في الفروع فإنهم مجتمعون؛ ولذلك يؤمرون بالاتباع. الآيات التي فيها الأمر بالاتباع يراد بها اتباع السنة، مثل قوله تعالى: رسم>
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قرآن>
رسم> الذي أنزل إليهم من ربهم هو الكتاب والسنة، قد سمعنا أن السنة تنزل كما ينزل القرآن، وأن جبريل اسم> يعلمه السنة كما يعلمه القرآن: رسم>
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ قرآن>
رسم> .
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ قرآن>
رسم> جعل الله الدين هو الصراط المستقيم رسم>
فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ قرآن>
رسم> السبل هي الطرق المنحرفة عن يمينه، وعن شماله، رسم>
فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قرآن>
رسم> فالإسلام هو الصراط؛ الطريق المستقيم الذي نسأل ربنا في صلاتنا من سورة الفاتحة، التي لا يُعْذَرُ أحد بحفظها وقراءتها في صلاته: رسم>
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ قرآن>
رسم> الصراط الطريق، وفُسِّرَ بأنه الإسلام، أو القرآن، أو الرسول، والْكُلُّ حَقٌّ، فإن الإسلام هو الدين الذي جاء به الرسول، وهو الدين الذي دَلَّ عليه القرآن، فهو الصراط المستقيم الذي مَنْ سار عليه نجا. الصراط المستقيم. ثم فسره بقوله: رسم>
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قرآن>
رسم> أي صراط الْمُنْعَم عليهم؛ أهل النعمة، والنعمة التي يذكرها الله تعالى هي نعمته بالفضل وبالهداية: رسم>
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قرآن>
رسم> يعني: هديتهم وسددتهم ووفقتهم. وقد ذكر الله تعالى الْمُنْعَمَ عليهم في قوله: رسم>
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ قرآن>
رسم> هؤلاء هم الْمُنْعَم عليهم، فالذي يطيع الله ويطيع الرسول، ويسلك الصراط السوي يُعْتَبَرُ معهم؛ مع هؤلاء. يعني: وإن كان في بلدة وحده وهم في برِّية، فإنه معهم بالعمل.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قرآن>
رسم> أي: جَنِّبْنَا طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين. في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: رسم> اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون رسم> فاليهود أخصّ بالغضب، والنصارى أخصّ بالضلال، مع أن الجميع مغضوب عليهم وضالون، فالإنسان المسلم إذا سأل الله تعالى في صلاته؛ طلبه أن يرزقه التمسك بطريق أهل النعمة الذين تفضل عليهم بهذه النعمة.