موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
أدلة من قال برؤية الله تعالى في الدنيا يقظة والرد عليهم
أدلة من قال برؤية الله تعالى في الدنيا يقظة والرد عليهم
عدد المشاهدات
()
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وكذلك ما روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل من حراء اسم> تبدى له ربه على كرسي بين السماء والأرض غلط باتفاق أهل العلم، بل الذي في الصحاح أن الذي تبدى له الملك الذي جاءه بحراء اسم> في أول مرة وقال له: اقرأ. فقلت: رسم>
لست بقارئ. فأخذني فغطني حتى بلغ منه الجهد ثم أرسلني فقال: رسم> اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قرآن> رسم> متن_ح>
رسم> فهذا أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: رسم>
فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء اسم> جالس على كرسي بين السماء والأرض متن_ح> رسم> رواه جابر اسم> رضي الله عنه في الصحيحين، فأخبر أن الملك الذي جاءه بحراء اسم> رآه بين السماء والأرض، وذكر أنه رُعِب منه فوقع في بعض الروايات: الملَك. فظن القاري أنه الملِك وأنه الله. وهذا غلط وباطل.
وبالجملة أن كل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض، وفيه أنه نزل له إلى الأرض، وفيه أن رياض الجنة من خطوات الحق، وفيه أنه وطئ على صخرة بيت المقدس اسم> كل هذا كذب باطل باتفاق علماء المسلمين من أهل الحديث وغيرهم.
وكذلك كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطل باتفاق أهل السنة والجماعة لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحدا من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت وثبت ذلك في صحيح مسلم اسم> عن النواس بن سمعان اسم> عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الدجال قال: رسم>
واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت متن_ح> رسم> وكذلك روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر يحذر أمته فتنة الدجال وبين لهم أن أحدا منهم لن يرى ربه حتى يموت، فلا يظنن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه.
ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومشاهدتها وتجلياتها هو على مراتب كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل اسم> عليه السلام عن الإحسان قال: رسم>
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك متن_ح> رسم> .
وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.
وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا، وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ
فيعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام، فكذا من العباد من تحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه وهو غارق في ذلك، وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان.
يرد بذلك على كثير من المتصوفة الذين يدعون أنهم يرون الله في الدنيا, فإن من عقائدهم أن مريدهم يتمكن من رؤية الله، وأنهم قد يستغنون عن الشرع، وأن المريد, أو الأبدال عندهم والأولياء يستغنون عن الشرع؛ بحيث إنهم يطلعون على الغيب, ويأخذون من اللوح الذي يأخذ منه الملك؛ فلذلك يظهر منهم مخالفات صريحة للشريعة, فمنهم من يأكل الحرام، ومنهم من يزني, ومنهم من يترك العبادات كلها والصلوات, ويقول: إنه قد وصل إلى حالة تسقط عنه التكاليف باطلاعه على الغيب, وبرؤيته لله, وبإسقاطه عنه ما لم يسقط عن غيره؛ حتى استدل عوامهم, أو كثير من خواصهم بقوله تعالى: رسم>
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ قرآن> رسم> فسروا اليقين بأنه العلم: العلم اللدني, ولا شك أن هذا غلط كبير, وأن اليقين في الآية هو: الموت, الذي ذكره الله تعالى عن الكفار في قولهم: رسم>
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ قرآن> رسم> فالكفار أتاهم اليقين وعذبوا, فاليقين هنا هو الموت.
الحاصل أن هؤلاء لما كانوا يسقطون التكاليف عن مريديهم كان لا بد أن يكون لهم شيء من الحجج ومن الشبهات التي يستدلون بها، فمنهم من يقول: إنه رأى ربه, وأن ربه أسقط عنه التكاليف, وعفا عنه, بمعنى أنه: رخص له بأن لا يعبده, وأن لا يصلي, وأن لا يحج, ونحو ذلك، أو رخص له في أن يفعل الفواحش, ويشرب الخمور, ويسمع الغناء, ويستعمل الرقص, وما أشبه ذلك, سقطت عنه التكاليف, وصار يفعل ما يريد.
وكثير منهم يقولون: إن الله ينزل إلى الأرض, وأنه يرى, وأنه يُكلَّم, أو أن أرواحنا تصعد إلى الملأ الأعلى وترى ربها وتكلمه, ويخاطبها بما تريد أو بما يريد، ثم لا شك أن لهم شيئا من الشبهات, يقولون: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه في الأرض, فلا مانع من أن الرب ينزل إلى الأرض فيراه الخواص منهم, وخاصة الخاصة, ويخاطبهم ويكلمونه.
فمن ذلك من أدلتهم هذه الكلمة التي وقعت غلطا, وهي في حديث نزول الوحي لأول مرة على النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث جبريل اسم> - وهو في حديث جابر اسم> - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي, فقال في حديثه: رسم>
فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا, فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني في حراء اسم> جالس على كرسي بين السماء والأرض, فذعرت منه وأتيت إلى خديجة اسم> فقلت: زملوني زملوني فأنزل الله: رسم> يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قرآن> رسم> متن_ح>
رسم> .
هذا الذي رآه هو: جبريل اسم> الذي رآه على كرسي, ولكنهم إما تعمدوا, وقالوا: رأيت ربي فإذا ربي جالس على كرسي، وإما أخطأ بعضهم وقلده من روى عنه ولا شك أنه خطأ فاحش وكذب.
القصة إنما هي في نزول جبريل اسم> لما انقطع الوحي مدة, وذلك لأنه عليه السلام لما نزل عليه الوحي لأول مرة في غار حراء اسم> جاءه الملك, يقول: رسم>
فغطني حتى بلغ مني الجهد, ثم أرسلني, وقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ, إلى أن قال: رسم> اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ قرآن> رسم> متن_ح>
رسم> ثم أخبر خديجة اسم> وقال: رسم>
لقد خشيت على نفسي, فقالت: كلا, والله لا يخزيك الله متن_ح> رسم> إلى آخره، ثم فتر عنه الوحي, ولما فتر وانقطع ولم ينزل عليه مدة, قيل: ثلاث سنين, اشتاق إلى ذلك, حتى كاد أن يلقي نفسه من شواهق الجبال, فإذا هم بذلك بدا له جبريل اسم> وقال: يا محمد اسم> أنت رسول الله, وأنا جبريل اسم> فيسكن روعه, إلى أن بعد ذلك استمر نزول الوحي، فالحاصل أن هذا أن من فهم أنه رأى ربه من هذا الحديث فقد أبعد النجعة, وإنما الذي رآه ملك الوحي.
مسألة>
-55-