موقع سماحة الشيخ بن جبرين-رحمه الله..
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
عدد المشاهدات
()
...............................................................................
والدلالة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب تفهم من نصوص الوحي ومن اللغة العربية. أما نصوص الوحي فقد دلت على ذلك أحاديث صحيحة تدل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما يدل عليه استقراء القرآن، وتدل عليه اللغة العربية أيضا.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك قصة الأنصاري المشهورة التي ذكرها الله في سورة هود، وسيأتي إيضاحها وضابطها: أن أنصاريا كان تمارا فجاءته امرأة تريد أن تبتاع منه تمرا، فأعجب بجمالها، فقال لها إن في البيت تمرا أجود من هذا.
فلما دخلت في البيت تظن أنه يبيعها التمر الأجود كان بينه وبينها ما لا ينبغي أن يكون بين رجل وغير زوجته، إلا أنه لم يقع بينهما ما يستوجب الحد، فكان شيء؛ مثل التقبيل، والضم، ونحوه، ثم بعد ذلك ندم ذلك الأعرابي، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيه آية مدنية في سورة مكية.
وهي قوله تعالى في سورة هود: رسم>
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ قرآن> رسم> ؛ يعني كالصلوات الخمس التي يقيمها في الجماعات رسم>
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ قرآن> رسم> ؛ أي يغفر الله بهن تلك الذنوب؛ كتقبيل تلك الأجنبية.
ثم إن ذلك الرجل لما نزلت فيه الآية، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم سأل ذلك الأنصاري، وقال له: يا رسول الله، ألي هذا خاصة؟ وسؤال الأنصاري هذا مقتضاه أيختص حكم هذه الآية بي؟ لأنني هو سبب نزولها أم العبرة بعموم لفظ رسم>
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ قرآن> رسم> ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بل لأمتي كلهم.
وسؤال الأنصاري هذا وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له ثابت في صحيح البخاري اسم> في تفسير سورة هود، وهو نص صريح في أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. ومن النصوص الدالة على ذلك: ما ثبت في الصحيح ثبوتا لا مطعن فيه من رسم> أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عليا اسم> وفاطمة اسم> رضي الله عنهما وأرضاهما وهما نائمان، وأيقظهما ليصليا الليل. فقال له علي اسم> رضي الله عنه إن أرواحنا بيد الله إن شاء بعثنا، فولى صلى الله عليه وسلم كالمغضب، يضرب فخذه، ويقول: رسم>
وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا قرآن> رسم> رسم> مع أن آية رسم>
وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا قرآن> رسم> نزلت على التحقيق في الكفار المشركين الذين يجادلون في القرآن؛ فيقول بعضهم: شعر، ويقول بعضهم: سحر، ويقول بعضهم: كهانة، إلى غير ذلك.
ويدل لأنها في الكفار أول الآية هو قوله: رسم>
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قرآن> رسم> ؛ أي المكذب بالقرآن الذي لم يعتبر بأمثاله رسم>
أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا قرآن> رسم> وخصومة في التكذيب بالقرآن. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أنها وإن نزلت في الكفار أن عموم لفظها شامل، لقول علي اسم> رضي الله عنه: إن أرواحنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا.
ومما يدل على هذا من اللغة العربية أن الرجل مثلا لو كان له أربع زوجات فهانته واحدة منهن وشتمته، وأطلقت لسانها فيه حتى أغضبته، وهي واحدة، والثلاث الأخر ساكتات لا يفعلن إلا ما يرضي زوجهن، فقال الزوج بسبب إغضاب التي أغضبته: أنتن كلكن طوالق؛ فإن الطلاق لا يختص بذات السبب التي أغضبته وآذته؛ بل يطلق الجميع نظرا إلى عموم اللفظ، ويلغى سبب اللفظ الذي حمل عليه، كما هو معلوم عند أهل اللسان العربي.
مسألة>
-16-